الأسبــوع الماضــي عقــــد فــي جمعية المهندسين البحرينية أمسية ثقافية لمناقشة الجهد المتميز الذي بذله الزميل غسان الشهابـــي لتوثيـــق فترة مهمة من تاريخ البحرين الحديث، فترة إعداد الميثاق والتصويت عليه، ووضعه بين دفتي كتاب اتخذ له عنواناً جميلاً ومثيراً هو «ما كان البحر رهوا»، حيث أدار الأمسية إبراهيم بشمي، وناقش الكتاب عبيدلي العبيدلي عبر عرض إبداعي استطاع من خلاله أن يبقي جمهور الحضور منتبهاً طوال مدة استعراضه لمحتويات الكتاب الذي انتقده نقداً موضوعياً.
لكن ليس هذا هو بيت القصيد؛ فالتطرق إلى عنوان الأمسية وضيوفها هنا هو لمساعدة القارئ على التفاعل مع ما سيأتي من كلام يتعلق بما دار من مناقشات وما تلا الندوة من «سوالف على الواقف»، ذلك أنه يعطي مثالاً على أن شعب البحرين -وليس أولئك الذين يمارسون الحماقات في الشارع- عاقل وذكي ومتحضر، ويعرف كيف يتقبل الآخر ويتفاعل معه.
طريقة مداخلات وأسئلة الجمهور في نهاية الندوة أثبتت أن أهل البحرين لديهم القدرة العالية على تجاوز الأزمة والعودة إلى النقطة التي يمكن أن يستأنفوا عندها عملية البناء والإسهام بفاعلية في تطوير البلاد والمنطقة، فعلى الرغم من خروج بعض المداخلات عن سياق الأمسية -وهو أمر طبيعي في ظل الأحداث التي تعيشها البلاد منذ ثلاث سنوات- إلا أن هذا قوبل بتفهم من المنتدين والحاضرين، فحصل كل متداخل على ما يريده من وقت ولم يقاطع، فقبل رأيه من قبل وعارضه من لم يجده صائباً، ولكن بهدوء يقترب إلى الصمت.
أما ردود وتعليقات الذين كانوا على المنصة فأسهمت في استيعاب كل المداخلات والآراء، وهو ما يحسب لعريفها، الذي وفر الكثير من المعلومات عن فترة إعداد الميثاق كونه كان أحد أعضاء اللجنة المكلفة بإعداده ومناقشته.
أما ما دار من أحاديث بين من لم يتعجل الانصراف وقبل دعوة معدي الأمسية للاستمتاع بـ «القدوع»، فأكد حيوية هذا الشعب الأصيل وقدرته على التفاعل وامتصاص الألم، فبالإضافة إلى الأحاديث المليئة بالعواطف والمحبة لم ألمس من أحد أنه يتخذ موقفاً سلبياً من الآخر الذي يختلف معه في الفكر أو في الموقف أو يعاتبه على قول أو مقال أو مشاركة.
من أولئك قيادي من الوفاق الذي أعطى مثالاً عملياً على أن الاختلاف في الرأي لا يفسد الود، فكان من بين ما قال إنه يقرأ يومياً كل المقالات التي تنشر في الصحافة المحلية ويستوعب آراء كتابها، وأنه متيقن أنهم جميعاً إنما يكتبون انطلاقاً من حبهم لهذا الوطن وحرصهم على تجاوز الأزمة، وبالتالي فإنه لا يمكن أن يتخذ موقفاً سالباً من أي منهم ومن أي شخص يعبر بطريقة أو بأخرى عن رأيه وقناعاته وتوجهاته وأفكاره، وفي نفس الوقت لا يستطيع أن يقول إن الوفاق هي كل الصح وأن من يخالفها الرأي والموقف هو الخطأ.
أخبرته بأن ما يقوله طيب ومشكور ولكن قلة هم الذين يشاركونه مثل هذا الرأي والموقف، فقال ما معناه إنه لا يمكن أن يكون الجميع متماثلاً ومتوافقاً في كل شيء، وأنه ليس من المنطق أن أرفض الآخر فقط لأنه يختلف معي في توجهاتي وأفكاري وقناعاتي ومواقفي.
الكلام نفسه قاله آخرون في «وقفة القدوع» الجميلة تلك بطريقة أو بأخرى وعبروا عنه من غير كلام بأكثر من طريقة، فقد امتلأ المكان بما قد لا يتوفر عند غير البحرينيين من أسلوب محبة يحسدون عليه وعليها.
هكذا هو شعب البحرين، وهكذا يجب أن يستمر، وبمثل هؤلاء وهذا الفكر النير والقدرة على استيعاب الآخر يمكننا تجاوز ما نحن فيه اليوم وتخطي أولئك الذين لايزالون يفتقدون القدرة على اقتناص اللحظة الممكنة للخروج من هذه الأزمة.