عقب الأزمة الأخيرة ظهر توجه لدى الحكومة بضرورة أن تتم مراقبة البعثات والدورات التدريبية التي يتم تقديمها من قبل بعض الحكومات الأجنبية ومؤسسات المجتمع المدني الخارجية، وكان هذا التوجه مهماً لأن المسألة مرتبطة بالأمن الوطني.
وطوال الفترة الماضية ظهر الكثير من المشككين بصدقية هذه الدورات ودورها في تكوين جماعات تملك مهارات معينة، فكان هناك المؤيد، وهناك المعارض في الوقت نفسه. ولكن بمرور الوقت تكوّنت قناعة بخطورة الدورات التدريبية، وخاصة تلك التي تقدمها الإدارة الأمريكية سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال صناديق الديمقراطية التي تمولها، وبدورها تقوم هذه الصناديق بتمويل المعاهد ومؤسسات المجتمع المدني الأمريكية، ويكون الاستهداف فيها بعشرات الآلاف سنوياً حول العالم.
هذه البرامج التدريبية ليست هي الأفضل، وحتماً لا تتقاطع مع احتياجات البحرين بقدر ما تسعى لتكوين عقول بحرينية مختلفة تملك أجندة ويكون لها ارتباطات مع الولايات المتحدة ومصالحها وأجندتها في البحرين والخليج العربي وحتى الشرق الأوسط.
وحتى لو أكدت السفارة الأمريكية بالمنامة في بيانها أنها قدمت هذه البرامج بعلم الحكومة البحرينية، فليس من المطلوب أن يكون موقف الحكومة ثابتاً، فهي -أي الحكومة البحرينية- إذا كانت في فترة ما ترى أن مثل هذه البرامج مفيدة، فمن حقها لاحقاً مراجعة سياستها هذه طبقاً للمعطيات الجديدة، وطبقاً لاحتياجاتها المختلفة، وبشكل يضمن ويحمي أمنها الوطني ويصون سيادتها الوطنية.
العلاقات البحرينية ـ الأمريكية لا تخضع لثوابت، وإنما تخضع دائماً لمصالح، ولذلك فإن ادعاءات واشنطن بأنها ملتزمة بأمن البحرين والعلاقات الثنائية يصبح سراباً مادامت المواقف الأمريكية حاضرة منذ 2011، فالالتزام الأمني ليس ثابتاً بل هو استراتيجية تخضع لمصالح واشنطن، فمتى ما كان هذا الأمن لا يخدم مصالح البيت الأبيض تغيرت المعادلة، وصار الضغط الأمريكي على المنامة هو الخيار الأنسب أمريكياً.
لذلك مثلاً لا يمكن فهم الالتزام الأمريكي بأمن المنامة، إذا استمرت واشنطن في فرض حظر أسلحة على البحرين. ولا يمكن مثلاً فهم الالتزام الأمريكي بأمن المنامة في الوقت الذي تحرص فيه السفارة الأمريكية بالبحرين على مواصلة تدخلاتها وعدم الوقوف مسافة واحدة أمام مختلف مكونات المجتمع واحترام الأعراف الدبلوماسية بين البلدين. ولا يمكن فهم الالتزام الأمريكي بأمن المنامة، في الوقت الذي لا تعتبر فيه حرق الشوارع واستهداف رجال الأمن والمدنيين من المواطنين والمقيمين والتفجير بالقنابل الذكية عن بعد إرهاباً، في الوقت الذي شاركت فيه البحرين بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر بالحملة الدولية التي قادتها الولايات المتحدة ضد الإرهاب!