مازال الخطأ التاريخي قائماً حتى اللحظة رغم مرور 11 عاماً على هذا الخطأ، رغم الإقرار به خليجياً، وعدم التحرك من أجل تصحيحه تماماً.
خطأ دول مجلس التعاون الخليجي، وخطأ العرب جميعاً هو سماحهم بالغزو الأمريكي للعراق وإسقاط النظام دون التفكير في الفراغ السياسي الذي سينجم لاحقاً، وكيفية ملء هذا الفراغ بقوى سياسية معتدلة، في الوقت الذي كانت الإدارة الأمريكية تعد العدة لتمكين تيار ولاية الفقيه، وتفتح المجال أمام النفوذ الإيراني ليمتد من طهران إلى بغداد كما هو اليوم.
إذا كان العراق قد تخلص من استبداد حزب البعث، فإنه اليوم يعيش استبداداً أشد من الاستبداد السابق، فهو استبداد ثيوقراطي يحمل قيماً طائفية قميئة تضرر منها الشعب العراقي خلال عشر سنوات أقسى من أي عقد مضى. لم يختلف المشهد العراقي قبل وبعد البعث، بل صار أكثر قساوة وأكثر ضراوة، وأشد وطأة على العراقيين. والديمقراطية الزائفة التي هندسها الأمريكان لم تأت بعملية سياسية ناجحة، بل هي عملية تمكين تيار سياسي محدد على بقية مكونات المجتمع العراقي المتنوعة، والضحية في النهاية الشعب العراقي، ووحدة الدولة العراقية.
لذلك ليس مستغرباً أن تأتي السياسات الطائفية للرئيس المالكي بثورة، وتنكشف من خلالها هشاشة المؤسسة العسكرية العراقية التي أنفقت عليها المليارات من أجل التسليح والتجنيد والتدريب وراحت لصالح كارتيلات صناعة الأسلحة الأمريكية.
الثورة التي يشهدها العراق اليوم، هي انتفاضة حقيقية ضد الاستبداد الديني، والتهميش السياسي، والإقصاء الطائفي، والتصفية على الهوية. ولا يمكن لدول الخليج العربي -بحكم التجاور الجغرافي- وكذلك للعرب جميعاً السكوت أمام ما يجري هناك، خاصة أن الصراع بات صراعاً على هويات متخاصمة لفترة طويلة.
الوضع الراهن يشير إلى استعداد حكومة المالكي بمزيد من التصفية الطائفية، وإلى تحرك طهران نحو مزيد من التدخل المباشر لضمان وحماية نفوذها في بغداد، خاصة بعد إعلان المؤسسة الدينية الشيعية أنها أمام «جهاد مقدس»، ومعركة تاريخية لحماية الهوية وحماية المقدسات الدينية. وهناك مواقف خليجية أكثر وضوحاً من مواقف الدول العربية الأخرى، ولكنها مازالت مواقف دون الطموح أو المستوى، ولابد أن تكون مواقف تسعى لتصحيح خطأ 2003 نهائياً. أما واشنطن فإنها بين نارين، نار تحالفها مع طهران وحماية مصالحها المشتركة معها، ونار «الحلفاء التقليديين» في الخليج العربي الذين تشهد علاقاتها معهم فتوراً تاريخياً إن لم يكن تباعداً لا رجعة فيه.
منطقة الخليج العربي وشمال الخليج ستشهد مرحلة جديدة من التحولات الإقليمية، والتي ستكون بداية لإرهاصات مستقبلية قد تؤدي إلى تغيير شكل الخريطة السياسية، وتزيد من تعقيد بيئة عدم الاستقرار في المنطقة.