شخصياً أستغرب أي ضجة تحصل حينما تتكشف معلومات جديدة تشير إلى تورط أمريكي في حياكة مؤامرات أو مخططات؛ سواء أكانت ظاهرة أم خفية، وسواء أكانت معنية بالبحرين والخليج، كما حصل مع الوثيقة الأخيرة!!
نعم أستغرب؛ وهنا لنحدث العاقل بما لا يعقل فإن صدق فلا عقل له!
أولاً: هل هذه هي المرة التي تتكشف فيها معلومات تشير لاتصالات أمريكية مشبوهة مع جماعات راديكالية بالداخل؟!
أليست وثائق «الويكيليكس» كشفت ذلك في السابق وبالتفاصيل المملة، وبالبرقيات المفصلة، وبالنصوص الحرفية للحوارات والمعلومات؟! ألم تكن هذه البرقيات تحمل أسماء معينة وصريحة وقالت كلاماً لا يخرج عنه كونه إما إمداد بمعلومات تفصيلية عن البحرين وتركيبتها ومداخلها، أو كان كاشفاً لنوايا صريحة بقلب نظام الحكم؟! ألم يذكر ذلك؟! نعم ذكر، فماذا حصل بعد ذلك؟!
سنقول لكم ماذا حصل، إذ بعض ممن وردت أسماؤهم وواضح تماماً أنهم بما قدموه من معلومات خالفوا القانون البحريني بشأن «التخابر» مع دولة أجنبية، باعتبار أن المعلومات التي قدمت للسفارة الأمريكية يومها معلومات فيها مساع لتحليل أعمق للداخل البحريني، وبهدف أن يعرف الأمريكان من يدعمون ومن يقوون حتى يغيروا شكل البلد سياسياً. ثانياً: في كل مرة تتضح فيها أمور تدين السفارة الأمريكية وتعيب على سفرائها لعب الأدوار المشبوهة، يكون التعامل الرسمي مع ذلك بعكس اتجاه التيار!! ففي الوقت الذي يستاء فيه المخلصون من أبناء الشعب ذلك، وتتحرك فيه مؤسسات المجتمع المدني (غير الانقلابية والولائية لطهران)، نجد أن الرسالة الرسمية تكرر نفس الإسطوانة «صداقة، شركاء، علاقات طيبة، حليف استراتيجي.. إلخ»، بينما هناك في الجارة الشقيقة السعودية -والتي تدافع عن البحرين أكثر مما يدافع عنها بعض مسؤولي البحرين أنفسهم للأسف- يقول الأمير سعود الفيصل بكل هدوء ولكن بنبرة مباشرة وحاسمة: «من يمد إصبعه ليتدخل في السعودية، سنقطعه له!». نعم يقطعونه له، سواء أكان أمريكياً، إسرائيلياً، إيرانياً وغيرهم. أولم يكد كيسنجر أن يركع أمام الملك فيصل رحمه الله لثنيه عن قراره بوقف النفط عن الولايات المتحدة؟!
السؤال؛ أليس هناك موقف حازم من الدولة ليقول للولايات المتحدة كفى، وليقول لها بأن استلمي سفيرك ذا الدور المشبوه، وحاولي أن ترسلي بدلاً عنه سفيراً يهتم بأساسيات عمل السفراء عبر تقوية العلاقة بين الدول، لا أن يتحول لبؤرة احتضان ودعم لمن يستهدف البحرين داخلياً من طوابيرها الخامسة.
ثالثاً: كم من كوادر بحرينية احتضنها الأمريكان على امتداد السنوات الماضية وأخضعوا لدورات وبرامج تدريبية أغلبها فيها «النفس الانقلابي» تحت شعارات التغيير والتحول الديمقراطي؟! كم ممن تصدروا مشهد الانقلاب في فبراير 2011 مروا من هناك، وتم تدريسهم على كيفية التحشيد ضد الأنظمة الحاكمة والتعامل عبر وسائل التواصل وكيفية التواجد في الإعلام إلى غيرها من أمور؟!
والله الدولة لا تعرف العدد، ولم تكن منتبه لذلك، ولو كان الانتباه موجوداً لما بلغ بعض هؤلاء مواقع حساسة في الدولة. هؤلاء خاصة ممن هم في مواقع منتشرين اليوم ليسوا سوى «صناعة أمريكية»، لا يغتروا بأنفسهم ويظنوا بأنهم ثوريو التفكير والإرادة، هم صناعة برامج الخارجية الأمريكية، عملاء غير مباشرين لها، صرفت عليهم أموالاً لأجل نظير سيؤدى لاحقاً، ويتم التحكم فيهم كما الأتباع والعبيد، وقبل عام بعضهم استاء وغضب من إحدى الدول الخليجية القريبة، فقط لأن الخارجية الأمريكية قررت «تجميد» مشاركات البعض في محافل ومؤتمرات بسبب تقليل النفقات، وكانت أغلب التعليقات لهؤلاء «المعلبات الأمريكية الصنع» ساخطة على وقف صرف الأموال وإلغاء السفر لبعض الدول حول العالم طبعاً!
مثل هذه البرامج صار لها ردحاً من الزمن، فهل تم التعامل معها بجدية؟! هل تم توقيف السفارة عند حدها وبيان بأنها تقوم بأمور تعتبر تدخلاً في الشؤون الداخلية للبلد، وأنه لو أرادت أن تقترح شيئاً فعليها أولاً أن تأخذ الموافقة من مملكة البحرين أولاً وأخيراً؟!
بالتالي لست أستغرب تكشف مزيد من مخططات السوء التي تأتينا من الحليفة والصديقة الأمريكية، ولست أستغرب ردات الفعل الداخلية، فنحن هكذا دائماً، نكتشف مصيبة، فنصرخ بأعلى الصوت، تمتلئ جرائدنا باستطلاعات وتحقيقات تعبر عن السخط والغضب، تموج الجمعيات بتصريحات تطالب الدولة باتخاذ إجراء، لكن في المقابل لا يحصل شيء، ثوران بركان صغير غير مؤثر سرعان ما يخبو، وفي النهاية يظل حائكو المكائد يواصلون في نفس المنوال.
السؤال الذي يستدعي إجابة مباشرة من الدولة، حسناً، اكتشفنا فضيحة جديدة من فضائح التآمر على البحرين من قبل الأصدقاء الأعزاء، طيب، وبعدين؟!