«أيها المواطنون بعد قليل يوجه (....) خطاباً تاريخياً للأمة، فإلى ذلك نسترعي الانتباه»، عبارات لطالما صدحت بها حناجر المذيعين خلال العقود السابقة لتداعب أسماع المواطنين العرب، ثم ما لبثت أن اختفت لتظهر من جديد في زمن الإعلام البديل لتعلن عن خطب لزعماء مزيفين بعدما كانت تعلن عن خطب الزعماء العرب.
اعتاد الزعماء العرب في العقود السابقة يوم كان الإعلام مركزياً ووسائله محدودة أن يتوجهوا إلى شعوبهم بخطب عبر أثير الإذاعة ليتحدثوا عن قضايا مصيرية أو ليروجوا لأفكار معينة، فكانت خطبهم في الغالب موجهة لشعوبهم وإن تعلقت بقضايا إقليمية فإنها توجه إلى الأمة، هذه الخطب لم تكن كثيرة في الدول المستقرة غير الثورية، وفيما سواها كانت أكثر عدداً، وكانت تبث الأفكار الثورية المناهضة للاستعمار وتدعو للوحدة العربية، وكانت الخطب مسبوقة بإعلانات عن توقيتها بفترة كافية لتكسبها الأهمية، ولعل من عاصر فترة الخمسينيات والستينيات لا تفارق ذاكرته إذاعة صوت العرب التي يصل بثها لكل الدول العربية، وقد استخدمها الراحل جمال عبد الناصر لبث الفكر القومي بل والهجوم على الدول العربية المناوئة لهذا الفكر، وتبقى حقيقة واحدة مفادها أن الخطب كانت تصدر من زعماء فعليين ووجه كثير منها ضد العملاء والخونة.
تمر السنون وتتطور وسائل الإعلام وتتعدد، ويظهر الإعلام البديل، ولم يعد الزعماء العرب يولون أهمية كبيرة لتلك الطريقة في الإعلان عن خطبهم، فغابت تلك العبارات عن المشهد، إلا أنها وبعد فترة عادت للظهور من جديد بعد أن تبناها مجموعة من الزعماء المزيفين من قادة الميليشيات والعملاء في عدد من الدول العربية ليخاطبوا جمهورهم بخطاب سمج يظهر بعدهم عن السياسة وفنونها، وسعوا لتحصين أنفسهم بدعاية إعلامية مستعارة من خمسينيات القرن الماضي رافقت زعماء علقوا في ذاكرة الناس، ولغرور هؤلاء وزيادة اعتدادهم بالنفس ضاعفوا الجرعة وأصبح كل من يمتلك منهم فضائية أو حتى حساباً على تويتر يعلن عن خطابه المرتقب بأنه موجه إلى الأمة بل إلى العالم، متخيلاً نفسه في مصاف الزعماء والملوك والرؤساء، مشابهاً ذلك العصفور الضال الذي اصطدم بسيارة فأغمي عليه، وبعد أن رق له قلب صاحب السيارة أخذه إلى بيته وضمد جراحه ووضعه في قفص جميل ليحميه، فأفاق من غيبوبته وشاهد نفسه في القفص وقال: «معقولة صاحب السيارة مات وأنا في السجن»، غرور ينخدع به صاحبه ويصور له أنه من الأهمية بمكان ليوجه خطباً إلى العالم والأمة.
عندما كان الزعماء يوجهون خطبهم إلى الشعب فهي على قدر مناصبهم ومسؤولياتهم وبعضها موجه ضد العملاء، أما اليوم فنرى العملاء وقادة الميليشيات هم من يوجه الخطب إلى الشعوب بل تجاوزوها إلى العالم!.