قليلة وشحيحة هي الأبحاث والدراسات المكتوبة باللغة العربية فما بالك وباللغة الإنجليزية حول «الجماعات الدينية الشيعية» العاملة بالسياسة أوالساعية للسلطة، قليلة هي الأبحاث التي تتناول التطور الدراماتيكي للحراك الشيعي السياسي الذي ظهر للسطح في العقود الأخيرة، والتي تتناول تطور الجماعات الشيعية السياسية الحركي أو تطورها الفقهي في العالم، وذلك لسبب بسيط أنه إلى وقت قريب جداً لم يكن للشيعة على وجه العموم حراك «سياسي» ملحوظ باعتباره شأناً غير جائز في غيبة الإمام، فما بالك والحراك انتقل إلى مرحلة حمل فيها الشيعي السلاح من أجل السلطة.
قرون مضت منذ غيبة الإمام المهدي عام 328 هجرية والشيعة بعيدون عن السلطة والحكم انتظاراً لعودته حرموا فيها «التعاون» مع السلطات باعتبارها جائرة حتى جاءت الدولة البويهية 338 هجرية وحدث نوع من فك العزلة بين الشيعة والسياسة، إلى حد ما يجيزالعمل فقط «مع» السلطان الجائر، باعتبار أن أي حكم لغير الإمام فهو حكم مغتصب وجائر، حتى أجاز العمل مع السلطان العلامة المفيد في بغداد ثم الطوسي من بعده، بعد ذلك اختفت هذه النظرية وانتكست مع حكم السلاجقة الذين أحرقوا مكتبة الطوسي الذي هرب واعتزل هو الآخر.
الملاحظ في هذه المرحلة أن فك قيد العمل السياسي للشيعة لم يتجاوز العمل «مع» السلطة ولم يصل حتى إلى مرحلة «الوصول» للسلطة، باعتبارها مازالت حقاً للإمام الغائب.
ثم حدث انقطاع بين الشيعة والسياسة بعد ذلك وعاد للظهور مرة أخرى في عهد الدولة الصفوية حين استعان الشاه بالعلامة الكركي الذي أجاز للشيعي العمل السياسي المباشر تميهداً لإعلان دولة إسماعيل الصفوي كأول دولة يحكمها شيعي بعد غيبة الإمام، وقيل وكتب عن هذه المرحلة الكثير ومع نهاية هذه الدولة وسقوطها عاد الشيعة إلى الانكفاء سياسياً من جديد بعد أن وضعوا أسساً لنظرية إجازة النيابة العامة وهي أن ينوب أحد عن الإمام الغائب في سلطاته أثناء غيبته، وانتقلت علاقة الشيعة بالسياسة (نظرياً وفقهياً) من مرحلة الشراكة مع الحكم إلى مرحلة إجازة الحكم ذاته.
إلى أن جاء الخميني قبل ثلاثين عاماً وأعاد إحياء النظرية وخص «الفقيه» وليس أي شيعي فحسب بأحقية الحكم، بعدها حدث تغيير كبير نقل الفقه الأصولي الشيعي من مرحلة السلطة ضمن إطار الدولة، إلى مرحلة امتداد سلطة الفقيه الحاكم إلى خارج حدود الدولة التي يوجد بها الفقيه الحاكم أي إلى «الأمة»، أي إلى حيثما وجدت الشيعة الأصولية وبدأت مرحلة تصدير الثورة تمهيداً لعودة دولة الإمام المهدوية.
الباحثون والدارسون في الثلاثين عاماً الماضية الذين تناولوا تطور الحراك السياسي الشيعي قلة، ومعظم هذه القلة حصرت أبحاثها ضمن الحدود الجغرافية الإيرانية، كموقع جغرافي لتفاعل ذلك الحراك، فالتطور السياسي في إيران هو الذي جذبهم أكثر مما جذبتهم ارتدادات هذه النظرية خارج الحدود الإيرانية، وعلى تخومها، وحتى من ضم لبنان كموقع آخر فقد فعل ذلك لأن حزب الله جاهر وأعلن حقيقة انتمائه كفصيل عسكري سياسي يعلن عن انتمائه ومرجعيته الدينية للإمام الفقيه وكذلك فعل إلى حد ما فصيل الهزارة الشيعي في أفغانستان، أما عدا ذلك فعيون الباحثين كانت غافلة عن تطورات تجري خارج الحدود الإيرانية!
الشيعة العرب الأصولية بقوا في كمون متحفظين لا يخرجون للعلن (سياسياً) بشكل سافر، حتى سقطت بغداد عام 2003 بتحالف أمريكي مع جماعات شيعية لم تسفر عن وجهها الديني إلا بعد تأكدها من سقوط الحكم المدني المتمثل في حزب البعث وشعورها بالأمن تحت حماية الوجود الأمريكي والدعم الإيراني، وصول حزب الدعوة العراقي للسلطة حد من حراك الفصائل الشيعية في الدورة الأولى لكنها اضطرت إلى الاستعانة بالمليشيات الشيعية التي حملت السلاح للمرة الأولى دفاعاً عن الحكم الشيعي في العراق حين شعرت بالتهديد في الدورة الثانية.
نحن إذاً أمام تطور دراماتيكي أجاز العمل مع السلطة في بداية الأمر ثم أجاز للشيعي النيابة العامة ثم أجاز له السلطة و أخيراً أجاز له حمل السلاح حماية لهذه السلطة، المشكلة تكمن أن تلك الإجازة امتدت لتشمل الشيعة الأصوليين خارج الحدود السيادية لدولة الفقيه لتشمل المناطق التي تعيش فيها الجماعات الشيعية الأصولية، حتى إذا ما جاءت موجة ما سمي «بالربيع العربي» أسفرت الأصولية الشيعية العربية عن وجهها بشكل فاقع في العراق والجزيرة العربية كلها وصل إلى حد حمل السلاح في تطور لا ينسجم مع تاريخ الجماعات الشيعية في العالم الإسلامي.
وشهدت الأعوام الثلاثة الأخيرة في العراق وسوريا واليمن والمملكة العربية السعودية والبحرين إلى جانب لبنان حوادث عنف أعلنت فيها فصائل أصولية شيعية مسؤوليتها عنه، لم يستخدم فيها السلاح الفردي فحسب بل استخدمت أدوات للدمار الشامل كالعبوات الناسفة والسيارات المفخخة في العراق والمملكة العربية السعودية والبحرين واليمن، وصف فيها حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله هذه المرحلة بأنها «ها هو زماننا».
هذه تطورات غير مسبوقة ستفتح شهية الباحثين والدارسين في موضوع «الإرهاب» ومنعطف جديد لن يتمكن الباحثون من تجاهله والقفز عليه، وقريباً سنشهد العديد من تلك البحوث والدراسات التي تتدارس فيها كيف حمل الشيعي السلاح لتدخل مكتباتنا، فلم يعد الأمر يقتصر على القاعدة أو داعش والنصرة كجماعات إرهابية أشبعت بحثاً وتقصياً، لم تعد الدراسات تبحث عن الإرهاب السني فحسب، الآن أصبح لدينا جيش الإمام ولواء أبي الفضل العباس، وفيلق بدر، وعصائب أهل الحق، وسرايا الأشتر، و14 فبراير والحوثيون إلى جانب حزب الله جميعهم فصائل شيعية حملت السلاح علناً، وأعلنت مسؤوليتها عنه، وقتلت من البشر أعداداً في سبيل السلطة من منطلقات طائفية صرفة جميعهم فصائل إرهابية هم ومن يقدمون لهم الدعم بأي شكل من الأشكال كلهم سيصحبون قريباً مادة دسمة للبحوث.
كلمة أخيرة في هذا المقال نحتاج إلى باحثين عرب على وزن ثقيل يقدمون أبحاثاً أكاديمية دقيقة، ومحايدة وبلغة علمية رصينة، يفتحون هذه الملف المثير والغني بالمواد، وكذلك نحتاج إلى حركة ترجمة فراسمو السياسة الخارجية، والأمنية في الدول المؤثرة سيبحثون عن حقيقة تلك الفصائل عاجلاً أم آجلاً.
قرون مضت منذ غيبة الإمام المهدي عام 328 هجرية والشيعة بعيدون عن السلطة والحكم انتظاراً لعودته حرموا فيها «التعاون» مع السلطات باعتبارها جائرة حتى جاءت الدولة البويهية 338 هجرية وحدث نوع من فك العزلة بين الشيعة والسياسة، إلى حد ما يجيزالعمل فقط «مع» السلطان الجائر، باعتبار أن أي حكم لغير الإمام فهو حكم مغتصب وجائر، حتى أجاز العمل مع السلطان العلامة المفيد في بغداد ثم الطوسي من بعده، بعد ذلك اختفت هذه النظرية وانتكست مع حكم السلاجقة الذين أحرقوا مكتبة الطوسي الذي هرب واعتزل هو الآخر.
الملاحظ في هذه المرحلة أن فك قيد العمل السياسي للشيعة لم يتجاوز العمل «مع» السلطة ولم يصل حتى إلى مرحلة «الوصول» للسلطة، باعتبارها مازالت حقاً للإمام الغائب.
ثم حدث انقطاع بين الشيعة والسياسة بعد ذلك وعاد للظهور مرة أخرى في عهد الدولة الصفوية حين استعان الشاه بالعلامة الكركي الذي أجاز للشيعي العمل السياسي المباشر تميهداً لإعلان دولة إسماعيل الصفوي كأول دولة يحكمها شيعي بعد غيبة الإمام، وقيل وكتب عن هذه المرحلة الكثير ومع نهاية هذه الدولة وسقوطها عاد الشيعة إلى الانكفاء سياسياً من جديد بعد أن وضعوا أسساً لنظرية إجازة النيابة العامة وهي أن ينوب أحد عن الإمام الغائب في سلطاته أثناء غيبته، وانتقلت علاقة الشيعة بالسياسة (نظرياً وفقهياً) من مرحلة الشراكة مع الحكم إلى مرحلة إجازة الحكم ذاته.
إلى أن جاء الخميني قبل ثلاثين عاماً وأعاد إحياء النظرية وخص «الفقيه» وليس أي شيعي فحسب بأحقية الحكم، بعدها حدث تغيير كبير نقل الفقه الأصولي الشيعي من مرحلة السلطة ضمن إطار الدولة، إلى مرحلة امتداد سلطة الفقيه الحاكم إلى خارج حدود الدولة التي يوجد بها الفقيه الحاكم أي إلى «الأمة»، أي إلى حيثما وجدت الشيعة الأصولية وبدأت مرحلة تصدير الثورة تمهيداً لعودة دولة الإمام المهدوية.
الباحثون والدارسون في الثلاثين عاماً الماضية الذين تناولوا تطور الحراك السياسي الشيعي قلة، ومعظم هذه القلة حصرت أبحاثها ضمن الحدود الجغرافية الإيرانية، كموقع جغرافي لتفاعل ذلك الحراك، فالتطور السياسي في إيران هو الذي جذبهم أكثر مما جذبتهم ارتدادات هذه النظرية خارج الحدود الإيرانية، وعلى تخومها، وحتى من ضم لبنان كموقع آخر فقد فعل ذلك لأن حزب الله جاهر وأعلن حقيقة انتمائه كفصيل عسكري سياسي يعلن عن انتمائه ومرجعيته الدينية للإمام الفقيه وكذلك فعل إلى حد ما فصيل الهزارة الشيعي في أفغانستان، أما عدا ذلك فعيون الباحثين كانت غافلة عن تطورات تجري خارج الحدود الإيرانية!
الشيعة العرب الأصولية بقوا في كمون متحفظين لا يخرجون للعلن (سياسياً) بشكل سافر، حتى سقطت بغداد عام 2003 بتحالف أمريكي مع جماعات شيعية لم تسفر عن وجهها الديني إلا بعد تأكدها من سقوط الحكم المدني المتمثل في حزب البعث وشعورها بالأمن تحت حماية الوجود الأمريكي والدعم الإيراني، وصول حزب الدعوة العراقي للسلطة حد من حراك الفصائل الشيعية في الدورة الأولى لكنها اضطرت إلى الاستعانة بالمليشيات الشيعية التي حملت السلاح للمرة الأولى دفاعاً عن الحكم الشيعي في العراق حين شعرت بالتهديد في الدورة الثانية.
نحن إذاً أمام تطور دراماتيكي أجاز العمل مع السلطة في بداية الأمر ثم أجاز للشيعي النيابة العامة ثم أجاز له السلطة و أخيراً أجاز له حمل السلاح حماية لهذه السلطة، المشكلة تكمن أن تلك الإجازة امتدت لتشمل الشيعة الأصوليين خارج الحدود السيادية لدولة الفقيه لتشمل المناطق التي تعيش فيها الجماعات الشيعية الأصولية، حتى إذا ما جاءت موجة ما سمي «بالربيع العربي» أسفرت الأصولية الشيعية العربية عن وجهها بشكل فاقع في العراق والجزيرة العربية كلها وصل إلى حد حمل السلاح في تطور لا ينسجم مع تاريخ الجماعات الشيعية في العالم الإسلامي.
وشهدت الأعوام الثلاثة الأخيرة في العراق وسوريا واليمن والمملكة العربية السعودية والبحرين إلى جانب لبنان حوادث عنف أعلنت فيها فصائل أصولية شيعية مسؤوليتها عنه، لم يستخدم فيها السلاح الفردي فحسب بل استخدمت أدوات للدمار الشامل كالعبوات الناسفة والسيارات المفخخة في العراق والمملكة العربية السعودية والبحرين واليمن، وصف فيها حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله هذه المرحلة بأنها «ها هو زماننا».
هذه تطورات غير مسبوقة ستفتح شهية الباحثين والدارسين في موضوع «الإرهاب» ومنعطف جديد لن يتمكن الباحثون من تجاهله والقفز عليه، وقريباً سنشهد العديد من تلك البحوث والدراسات التي تتدارس فيها كيف حمل الشيعي السلاح لتدخل مكتباتنا، فلم يعد الأمر يقتصر على القاعدة أو داعش والنصرة كجماعات إرهابية أشبعت بحثاً وتقصياً، لم تعد الدراسات تبحث عن الإرهاب السني فحسب، الآن أصبح لدينا جيش الإمام ولواء أبي الفضل العباس، وفيلق بدر، وعصائب أهل الحق، وسرايا الأشتر، و14 فبراير والحوثيون إلى جانب حزب الله جميعهم فصائل شيعية حملت السلاح علناً، وأعلنت مسؤوليتها عنه، وقتلت من البشر أعداداً في سبيل السلطة من منطلقات طائفية صرفة جميعهم فصائل إرهابية هم ومن يقدمون لهم الدعم بأي شكل من الأشكال كلهم سيصحبون قريباً مادة دسمة للبحوث.
كلمة أخيرة في هذا المقال نحتاج إلى باحثين عرب على وزن ثقيل يقدمون أبحاثاً أكاديمية دقيقة، ومحايدة وبلغة علمية رصينة، يفتحون هذه الملف المثير والغني بالمواد، وكذلك نحتاج إلى حركة ترجمة فراسمو السياسة الخارجية، والأمنية في الدول المؤثرة سيبحثون عن حقيقة تلك الفصائل عاجلاً أم آجلاً.