تناقض واضح يعيشه أهالي القرى في البحرين؛ فمن جهة يعبرون عن ضيقهم من أعمال الشغب والفوضى والعنف والتخريب التي يقوم بها بعض أبنائهم بشكل يومي حيث يسكنون من دون أي اعتبار لهم، ومن جهة أخرى، يحيونهم على «بطولاتهم» و«صمودهم» و«ثباتهم» ويشدون من أزرهم ظاهراً وباطناً ويدعون لهم بالموفقية عبر جلسات الدعاء في المساجد! تناقض نتيجته المنطقية أن أي تطوير للقرى يظل غير ممكن لأن أيدي المخربين ستطاله وستحرم أهالي القرى من الاستفادة منه وتطوير حياتهم.
إن زيارة سريعة إلى بعض القرى تعين على التأكد من هذه الحقيقة وتكفي لتبين حجم التجاوزات التي يرتكبها أبناء القرى في حق قراهم وأهاليهم بتلك العمليات التي يقومون بها ليلاً ونهاراً ويتمتعون بها أكثر في «الويك إند»، أما الهدف من التخريب فصار واضحاً وضوح الشمس، وهو لا يقتصر على إزعاج الحكومة والتسبب في أذاها عبر شحن العامة من الناس؛ لكنه يمتد إلى توصيل رسالة إلى العالم مفادها أن الحكومة لا تهتم بالقرى، وأن كل ما تقوله عن برامج ومشاريع تطويرها غير صحيح، بدليل هذه الصور التي تبين قصور الأداء الحكومي و«الإهمال المتعمد» للقرى! (يهتم «الإعلام الثوري» بنشر صور عبر مواقع التواصل الاجتماعي والمعارض التي تقام في بيروت وطهران ولندن تبين حالة القرى وتتهم الحكومة بأنها سبب التقصير وأنه لهذا قامت «الثورة»)!
مؤلم أن يسعى أبناء القرى إلى تخريب ديارهم و«بلداتهم» بأيديهم، ومؤلم أيضاً تستر أهالي القرى على تلك الممارسات وغض الطرف عنها، بل واعتبار البعض منهم من يقوم بها بطلاً من «أبطال الميادين»، أما الأكثر إيلاماً فهو أن الدولة التي تريد أن تطور القرى وتنفذ فيها المشاريع التي تعود على أهلها بالخير لا تجد الفرصة للقيام بذلك، وكل المشاريع التي نفذتها مثل تطوير الشوارع أو بناء بيوت الإسكان تضررت بفعل حماقة بعض أبناء القرى الذين من الواضح أنه غسلت أدمغتهم، حتى باتوا يدعون إلى التخريب ويمارسونه وهم يرفعون لافتات تدعو إلى البناء!
قبل نحو أسبوع عبر سمو رئيس الوزراء عن تألمه من قيام بعض أبناء القرى بممارسة عمليات التخريب في قراهم والتسبب في أذى أهاليهم. الجميع يشارك سموه هذا الإحساس، والجميع يرى أن الاستمرار في عملية التطوير والبناء في القرى أمر غير مجد لأن أبناء القرى مشغولون بعمليات الهدم والتخريب، والجميع يرى أن الأفضل هو التوقف عن تنفيذ كل المشاريع المقرر تنفيذها، خصوصاً أن العاملين فيها لا يشعرون بالأمان وتتعرض حياتهم لشتى أنواع المخاطر.
هذا التناقض الذي تعيشه القرى مسؤولة عنه تلك الجمعيات السياسية التي ضعفت إلى الحد الذي تركت معه الساحة لحديثي العهد بالسياسة لـ«يخيطوا ويبيطوا» فيها ويلعبوا في أدمغة أبناء القرى الذين اعتبروا أن ما يدعو إليه هؤلاء إنما هي الجنة والدولة المثالية.
لا بد أن يكون للجمعيات السياسية التي تعمل في ظل النظام والقانون دور في منع تلك الممارسات الخاطئة، وفي تشجيع أهالي القرى ليقفوا ضدها ويدافعوا عن حقوقهم وحقوق قراهم، وفي تسهيل الأمور كي تتمكن الدولة من تنفيذ المشاريع المعتمدة والتي تصب في كل الأحوال في صالح أهالي القرى، فهذا أجدى من إصدار البيانات التي مل العالم منها وأنفع من تنفيذ الاعتصامات والمسيرات التي تنتهي بتوسيخ الشوارع (حيث لم يصل المتظاهرون بعد إلى مرحلة كنس مخلفاتهم قبل انصرافهم كما هو في كل بلدان العالم المتحضر)، وأفضل من الندوات التي تنظمها بالتعاون مع حديثي النعمة السياسية في أمريكا وبريطانيا ولبنان وإيران وغيرها، والتي لا تخلو من قول أو صورة ملخصها أن الحكومة لا تهتم بالقرى وتمارس التمييز!
هل أقول «مالت»؟!