شهدت الأيام القليلة الماضية إعلان نتائج عدد من الشركات المساهمة العامة والبنوك، التي تشمل معظم القطاعات الاقتصادية في البلاد، والتي أشارت إلى تحقيق هذه الشركات والبنوك أرباحاً كبيرة وصل أغلبها إلى عدة ملايين من الدنانير.
وإذا ما أضفنا هذه النتائج الإيجابية إلى مثيلاتها التي حققتها الشركات المقفلة، ومنها الشركات العائلية الكبيرة والمهيمنة على السوق وعلى الاقتصاد بنسبة 94% كما تقول بعض الدراسات، ودلت نتائج انتخابات الغرفة الأخيرة على أن هذه الشركات العائلية باتت مهمينة على مجلس إدارة الغرفة أيضاً.
إذا جمعنا بين هذه النتائج وتلك لاعتبرناها مؤشراً على بدء تعافي الاقتصاد في المملكة، ومن ثم بدء تحمل مسؤوليات ومهمات جديدة ومختلفة من قبل هذه الشركات من ناحية ومجلس التنمية الاقتصادية والغرفة من ناحية ثانية.
تتمثل هذه المسؤوليات والمهمات في جوانب ثلاثة: أولها حاجة مجلس التنمية الاقتصادية والغرفة إلى العمل معاً من أجل تأسيس المزيد من الشركات المساهمة العامة في القطاعات التي ليس بها شركات مساهمة عامة مثل قطاع الصناعة وقطاع العقار، وقطاع التكنولوجيا وغيرها.
وتتنوع هذه الشركات بين تفعيل تحول الشركات العائلية المقفلة إلى شركات مساهمة عامة، مستفيدة من تجارب الدول الخليجية الناجحة في هذا المجال، وبين تأسيس شركات جديدة بدعم وتشجيع من المجلس والغرفة ومساهمة وعمل جاد من قبل القطاع الخاص والشركات المساهمة العامة الحالية.
واضعين بعين الاعتبار توقف تأسيس الشركات المساهمة العامة في البحرين منذ أكثر من 30 عاماً، وأن هذه الشركات هي الداعم الحقيقي للناتج الاجمالي المحلي، وهي المحرك الرئيس لسوق البحرين المالية، وأن قلة عددها وغياب الجديد منها هو السبب في ضعف هذا السوق وعدم تعبيره عن واقع الاقتصاد البحريني.
وثاني هذه المسؤوليات والمهمات تتمثل في عمل هذه الجهات بالإضافة إلى الحكومة وممتلكات على إذكاء عمليات التخصيص التي توقفت هي الأخرى منذ فترة طويلة بعد أن سجلت تجارب أكثرها غير ناجح، ويعود ذلك ربما للأساليب التي اتبعت في عمليات التخصيص، والتي كانت أقرب إلى الترسية المنتقاة، كما يعود ذلك إلى عدم وضوح الأهداف من التخصيص والتي يجب أن تؤدي -بالإضافة إلى عوامل أخرى- إلى جعل القطاع الخاص المحرك الأساس للاقتصاد.
واليوم وبعد سلسلة الإخفاقات والفساد وتبديد المال العام التي كشفت عنها تقارير ديوان الرقابة المالية، بتنا في حاجة أكثر من أي وقت مضى إلى الإسراع في خصخصة الخدمات الحكومية، وإيكال إدارتها إلى القطاع الخاص، حفاظاً على المال العام، ومضاعفة للإنتاجية في هذه المجالات التي افتقدتها كثيراً.
وثالث هذه المسؤوليات والمهمات التي لها علاقة مباشرة بتحقيق الأرباح المجزية هي أن تبادر هذه الشركات والبنوك إلى استثمار قسم منها في النهوض ببعض القطاعات العامة وسد العجز في احتياجاتها، وعلى رأسها القطاع الصحي الذي يحتاج إلى سد النقص في المجالات التقنية والفنية، وتوظيف العديد من الكوادر البشرية الخبيرة والمرتفعة الكلفة في عام بات فيه الإنسان المدرب والممارس للمهنة عملة نادرة وباباً مفتوحاً للمنافسة أمام من يستطيع أن يدفع أكثر.
إن القطاع الصحي الحكومي يمر بمرحلة من العجز عن مواكبة التطورات التكنولوجية العالمية، ويحتاج إلى الكثير من التحديث والتقوية لتلبية المتطلبات العامة، وكسب ثقة المرضى والطالبين لخدماته، وأن القطاع الخاص بشركاته ومصارفه العامة يستطيع أن يلعب دوراً كبيراً في تقديم التمويل وشراء المستلزمات وإقامة الأقسام والمراكز المتخصصة.
وفي كل الحالات فإن تأدية هذه المسؤوليات والمهمات الثلاث تصب كلها في خدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتعزيز الاقتصاد، والارتقاء بالكوادر البشرية البحرينية، والتي من أجلها على هذه الشركات أن تضحي ببعض من أرباحها، ومن بعض ما لديها من احتياطيات، خاصة وأن هذه الشركات والبنوك تعيش وتعمل في بلد ليس فيه ضرائب، والمسؤولون فيه يكرهون كلمة ضرائب ويرفضون فرضها على أي كان من الشركات الوطنية والأجنبية.