«آلية عسكرية تابعة للنظام البحريني تعتدي بإطلاق قذائف داخل مؤسسة دينية أثناء قراءة القرآن وتتسبب في إصابات»، هذا هو عنوان الخبر الذي اهتمت جمعية الوفاق بنشره عبر مختلف الوسائل التي بيدها (من تويتر إلى «العالم» مروراً بالفضائيات اللبنانية والعراقية واللندنية المساندة والمواقع الإلكترونية) مباشرة بعد الأحداث التي شهدتها منطقة سار في ختام فاتحة أحد المواطنين الأحد الماضي، ومن يقرؤه وهو على غير معرفة بتطورات الأحداث في البحرين وبنهج الوفاق وأساليبها يقول ببساطة إن وزارة الداخلية -ومن ثم الدولة- رمت كل الأعراف والأخلاق وراء ظهرها ولم تبال حتى بالقرآن الكريم الذي كان المتواجدون في المأتم يتلونه ساعتها. لكن الأمر مع من يعرف «البير وغطاه» ويدرك أسرار اللعبة يختلف، فهو على الأقل يتريث ليسمع وجهة نظر الطرف الآخر.. فلعل الذي يحمل إحدى عينيه في يده ويقول إن خصمه اقتلعها قد فقأ عيني خصمه الاثنتين.
لم أكن موجوداً ولم أشهد ما حدث، ولكن منطقاً لا يمكن أن تقوم قوات الأمن بإطلاق الغازات المسيلة للدموع هكذا من دون سبب، فرجال الأمن لا يتسلون بهذا الفعل، والأوامر المعطاة دائماً هي التعامل مع المواقف التي تشكل خطراً على أمن الآخرين بهذه الوسيلة بعد أن تنفد كل الوسائل التي يحاولون بها إزالة الحالة المؤثرة على الأمن سلباً وبالكيفية والمقدار الذي لا يتجاوز القانون ومتعارف عليه دولياً ويحقق الغرض (ولهذا قامت وزارة الداخلية بالإيعاز إلى الجهة المختصة بها للتحقيق في الفيديو الذي تم تداوله لمعرفة الظروف والملابسات ومن ثم محاسبة رجال الأمن لو كانوا مخطئين وتجاوزوا صلاحياتهم).
هذا منطقاً، ومنطقاً أيضاً لا يمكن لقوات الأمن أن «تعتدي» لأن فعلها ليس إلا رد فعل على فعل تمت ممارسته أدى إلى الإخلال بالأمن، تماماً مثلما هو وجودها في الشارع، فلولا هذا الذي يحدث لما تواجدت، أي أنه لولا أن أموراً حدثت في ختام الفاتحة في منطقة سار احتسبت تجاوزاً يؤثر على أمن الآخرين ويخالف الأنظمة والقوانين المعمول بها في البلاد لما تعاملت قوات الأمن معها ولوفرت كمية المسيلات التي تم استخدامها للاستفادة منها في موقف آخر يستدعي استخدامها.
مسألة أن تعتدي قوات الأمن على أي تجمع أو تتعامل معه من دون سبب مسألة لا يقبلها عقل ولا منطق لسبب بسيط هو أننا نعيش في البحرين التي هي اليوم دولة مؤسسات ودولة قانون. وإذا كان صعباً تصديق مسألة قيام قوات الأمن بالاعتداء على فعالية معينة، فإن تصديق اعتدائها على مأتم يتم فيه ساعتها تلاوة القرآن الكريم هكذا من دون سبب مسألة أصعب، فللمآتم والمساجد حرمات لا تقبل الدولة بتجاوزها. هذا يعني أن أمراً ما حدث أدى إلى أن تصل بعض عبوات الغاز المستخدم في تفريق المتظاهرين إلى المأتم في تلك الساعة، وإذا كان في الظن خيراً فإن بعض الذين كانوا موجودين ساعتها في المأتم هم من الشباب الذين لجؤوا إليه واحتموا به بعد أن رموا رجال الأمن بالحجارة وزجاجات المولوتوف أو فعلوا ما يستدعي ملاحقتهم ومحاولة الوصول إليهم، هذا احتمال وارد.
مثل هذه الجزئية للأسف لا ترد في الأخبار والبيانات التي تصدرها جمعية الوفاق أو تلك المتأثرة منها، فقد تعودوا أن يقتلعوا عيني الآخر ويركضوا إلى «العالم» ليقولوا بكل بساطة وبرود أعصاب انظروا ماذا فعلوا بنا.. لقدا عتدوا على الحرمات ولم يعرفوا فينا إلاً ولا ذمة وأهانوا المقدسات والمؤسسات الدينية و«نتفونا» ونحن لم نفعل شيئاً! ولا ينسون طبعاً ترديد القول الذي صار الجميع يحفظه «وتتزامن هذه الاعتداءات ضمن سياسة ممنهجة للاعتداء على المقدسات»!