لأننا مجتمع «زعول» ولأن كثيراً من المسؤولين «زعولين» وبشكل مذهل، فإنني سأضطر لتحريف كلمة أو اثنتين من جملة لمكتشف نظرية «النسبية» ألبرت أينشتاين، وسأستعيض عن المفردات بالأضداد، فقط حفاظاً على المشاعر المرهفة للبعض، والذين بلغت فيهم «حساسية التقبل» لدرجة القيام بأفعال لا تقال.
يقول أينشتاين: «من غير الحصافة» أن تعيد نفس التجربة وتتوقع نتائج أفضل.
هذه معادلة إنسانية لم تتولد من فراغ؛ بل بناء على تجارب وتراكم للخبرات وامتداداً للمواقف، وهي إن جئنا لتبسيطها فهي تحكي عن منطق سلس لا يحتاج لفك طلاسم، يمكن أن نشبهه بمثل بسيط جداً، مثل الذي يفتح محلاً يريد أن يربح من ورائه ويعين عليه عاملاً يكتشف مع الزمن أنه «لص» يسرق من مدخول المحل، وبدلاً من إقالته وإحالته لتطبيق العدالة والقانون، يقوم بمنحه فرصة أخرى وكأن شيئاً لم يحصل!
فقط أقول هنا: اسألوا أي تاجر لو مر بنفس الموقف، هل سيقوم بإعادة توظيف اللص الذي سرقه؟!
الإجابة معروفة، وتبرير الحالة الإنسانية والمشاعر والأخلاقيات لا موقع له من الإعراب في عالم التجارة -كمثال- إذ فاقد الشيء لا يعطيه، والمخطئ إن لم يتم تصحيح خطئه وتمت محاسبته سيعاود تكرار الخطأ.
نعود للفكرة هنا، إذ القيام بنفس الفعل الذي ترتجى منه نتيجة واحدة، القيام بالفعل وبنفس الطريقة مع انتظار نتائج مختلفة هو ضرب من الجنون، وهو نوع من «الصفة التي ذكرها أينشتاين» والتي أخففها هنا وأقول بأنها «لا حصافة».
الآن لنطبق المعادلة على الواقع المعاش، طبقوها في كل مجال، من البيت وصولاً أي أشياء أكبر وأعظم وأخطر.
كم من التجارب التي تخوضها الدولة تكشف بأننا لم نعد نكترث بأخطاء أي عمل، بحيث يكون الاكتراث متمثلاً بعدم تكرار الوقوع في نفس الأخطاء، بل المصيبة أن الاكتشاف يكون بإعادة استنساخ نفس آليات العمل، نفس التعامل مع الظروف، مع توقع نتيجة مغايرة! هذا ضرب من الجنون، ولا يدخل حتى في المقامرة!
اتركوا الخواجة أينشتاين عنكم، إذ حتى ديننا الحنيف في كلمات الله وأحاديث الرسول يعرف كثيرون تماماً بأن المبدأ الثابت يقول بأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وبالإسقاط هنا يمكن التفسير أن النتيجة لا تتغير لأي موضوع أو قضية إن لم تتغير إجراءات التعاطي معها!
تريدوننا أن نبتعد عن الألغاز وأسلوب «الترميز»؟! طيب، نقول: بأنك حينما تتعامل مع قضية مثل ملف الفساد والتجاوزات الإدارية والمالية بنفس الآلية التي تعاملت خلالها طوال السنوات الماضية، فإنه من الصعوبة أن تقنع الناس أنك ستحقق فارقاً أو ستوقف الفساد أو تقضي عليه، وحتى إن كانت الإجراءات مختلفة نوعاً ما ومتقدمة عن سابقاتها لكن النتيجة للأسف لن تختلف عن المحصلة النهائية بشأن ما مضى، أي أنها لن تقضي على الظاهرة ولن تقلل منها.
ملف الفساد على سبيل المثال، لا يجب التعامل معه بنفس الآليات المعتادة، بل يجب التعامل معه بأسلوب (هو للمعلومية فقط ما يتوجب فعله منذ البداية) أسلوب اجتثاث الخلل والمحاسبة الفورية والإعلان عن ذلك بكل شفافية ووضوح، فهل يحصل هذا لدينا، أم أننا نعيد نفس الآليات ونريد نتائج مختلفة؟!
نتحدث في السياسة؟! طيب نقول بشأن المشهد الحالي، ما يحصل اليوم حصل سابقاً، طريقة التعامل الأولى ثم تدرجه للهدوء وثم العودة للمربع الأول. هل اليوم يتوقع من إجراءات بات بعضهم يقول عن القانون المعني بها أنه -أي القانون- تحت قدميه، هل يتوقع أن تغير من الفعل الذي بات يتكرر يوماً إثر يوم؟! هل سياسة التغاضي ومنح الفرص تلو الأخرى مثلما كان يحصل في السابق ستقود لنتيجة مغايرة ملامحها تغير أسلوب التعاطي الانقلابي والمناهض والشتائم والسباب تمهيداً لإعادة الدولة لشكلها السابق؟! أليست تجربة الحوار مثال واضح ونتائجها درس بليغ؟! تكرار للمرة الثالثة ونتائج متوقعة حتى قبل أن يبدأ، ويصعب الجزم بأن ردة الفعل تجاه فشل ثالث متعمد ستكون مغايرة!
نقول إنها «ليست حصافة» باستنساخ آليات وطرائق عملة مكررة ومعادة أفضت في السابق لنتائج ليست مرضية ولا تواكب الطموح، ليست حصافة أن نعيدها وننتظر نتائج مغايرة.
نتحدث عن أهمية الوقت لكننا نتفنن في إهداره. نتكلم عن منجزات وطموحات لكننا نكتب عليها بأن تكون أحلاماً لأن آليات التطبيق معطلة. نتكلم عن دعم الشباب وتأهيلهم لكنه يبقى كلام لأنه لا فرص حقيقية تمنح أمامهم. نتحدث عن التطوير لكن ما نراه ليس إلا التدمير.
إن فشلت مرة، فيفترض أن يكون الفشل سبباً من أسباب النجاح، طالما استفدت من مسبباته لتعكسها وتحولها لمسببات نجاح، لكن هل هذا يحصل؟!
الإجابة نتركها لكم، فالمعروف لا يحتاج لشرح وتفصيل.