تدق كافة المؤشرات الصادرة عن الوضع الجاري في البيئة البحرية ناقوس الخطر، في ما يخص الثروة السمكية والوضع الأمني والرقابي للبحر، عموماً؛ هل للمواطن العادي القابع على اليابسة، والذي لا يفقه في شؤون البحر وأهواله، أن يتصور ولو للحظة ما الذي يجري داخل البحر من مطاردات يومية وتقاذف الأسياخ، والألواح الخشبية في مشاهد «أكشنية» تشبه تلك الحاصلة في الأفلام الأجنبية، التي نطالعها في السينما أو على شاشات التلفاز، بحيث يخيل للبعض وكأن هناك أزمة أمنية أخرى، ولكن بشكل غير مكشوف تجري داخل بحار البحرين ومستمرة من سنين دون أن تبادر الجهات المعنية بإيجاد حل فوري لها وتدارك ما يحصل.
الواقع المرير يسلط الضوء على تساؤل إن كان هناك تخبط إداري مستمر في البيت الداخلي لوزارة شؤون البلديات والزراعة، بدءاً من سيناريو الفساد والواسطات المشاع في ما يخص إصدار الرخص المؤقتة المخالفة ذات الثلاث نجوم من قبل الإدارة السابقة لإدارة الثروة السمكية لموظفين لا علاقة لهم بالصيد والبحر، ونثروا عمالتهم الأجنبية في البحر لإيجاد «بزنس بحري» يأتي بمداخيل شهرية إضافية لهم، لدرجة أن بعضهم قد تحول بين ليلة وضحاها، كما يشاع بين البحارة، إلى «مليونير» يمتلك سفناً و«بوانيش» قيمة البانوش الواحد منها 50 ألف دينار، رغم أن القانون لا يتيح الرخص إلا للبحار المحترف.
إن استمرار التخبط إلى اليوم وعدم مراعاة تداركه ومعالجته؛ يعد أكبر شاهد ودليل يؤكد الشكاوى والادعاءات المنتشرة، والتي تزيف وتكذب التصريحات الصادرة بشأن وجود استراتيجية معدة وواضحة بشأن حماية الثروة السمكية وتنمية الثروة البحرية في مملكة البحرين من قبل وزير شؤون البلديات والزراعة.
فالواقع الميداني أمام العديد من التجاوزات الحاصلة في البحر، ومع تزايد ظاهرة تهريب الديزل إلى دول خليجية مجاورة، يكشف أن الرقابة البحرية ضعيفة، وأن هناك حاجة لزيادة عدد المفتشين في إدارة الثروة البحرية بوزارة شؤون البلديات والزراعة، فالمعلومات الواردة تشير إلى أن عدد المفتشين يبلغ 90 مفتشاً فقط.. 90 مفتشاً على وطن يحيط به البحر من كل الجهات ومنافذه البحرية لا حصر لها.. 90 مفتشاً يبرهن عددهم الضئيل أمام أعداد الرخص المخالفة أن هناك نقصاً حاداً للتحقيق والمتابعة بكل ما يجري في البحر من تهريب للديزل وضبط مخالفات الصيد.
وللأسف عند التدقيق يكتشف أن هؤلاء الـ90 مفتشاً ليسوا جميعهم متخصصين بالتفتيش البحري أصلاً، بل يقتطع منهم 30 مفتشاً للمرافئ و30 مفتشاً إدارياً؛ أي أنه يتواجد لتنظيم أمور الإدارة، فيما بقية الـ30 يتابعون مراكز الاستزراع السمكي ويراقبون كافة البحار في بلد يحيطه البحر من كل الجهات.
هناك مصادر تفيد أن جهود المراقبة الجارية حالياً هي جهود ذاتية، حيث يقوم موظفو إدارة الثروة السمكية، الذين لا علاقة لهم بالتفتيش، بالنزول دون حماية أو متابعة من أي جهه أمنية إلى البحر للرقابة وضبط المخالفات، لدرجة أن بعضهم يتعرض للمخاطر عند ضبط المتجاوزين، حيث يقوم البحارة والعمال الأجانب عند ضبطهم بالهروب وبرميهم بالأسياخ والثلج والألواح الخشبية أثناء مطاردة قواربهم، في محاولة لإصابة محرك قارب الموظف أو المفتش لجعله ينقلب في البحر ويغرق ليتوقف عن مطاردتهم حتى لا يتم ضبطهم.
طبعاً ليس مهماً ما سيجري له إن هلك أو غرق أو تعرض لمخاطر وإصابات، فالمهم في مسلسل المطاردات هذا الهروب وعدم ضبطهم، كما إن بعضهم بالأصل من عمالة أجنبية لا يفهمون اللغة العربية عند مخاطبتهم والسالفة «ضايعة»، الأمر الآخر الذي أخذ يستشف ويبرهن عدم وجود استراتيجية لحماية البيئة البحرية والسمكية استمرار سيناريو المطاردات هذا منذ سنوات دون وجود وقفة جادة ونظرة مستقبلية ترى أن تجاوزاتهم ومخالفاتهم قد تؤدي إلى تحويل بحر البحرين -وبعد خمس سنين من الآن في حال استمرار الوضع الحالي وعدم وجود رقابة صارمة وحقيقية- إلى مقبرة بحرية تخلو من الأسماك والروبيان، خاصة وأنهم يقومون باستخدام «الكوفه - شباك بحر قاعية»، وهي آلة صيد للروبيان تقوم بحك الأرض ودكها كاملاً مما يتسبب بقتل كافة المخلوقات البحرية بالقاع.
من الواضح أن هناك حاجة لدراسة الوضع الراهن والوقوف على مكامن الخلل، فلو كانت هناك فعلاً استراتيجية موضوعة ومعدة؛ فالسؤال على أي أساس هي وضعت؟ ولماذا لم ترفع توصية عاجلة عند وضعها والشروع فيها بضرورة زيادة أعداد المفتشين داخل البحر وتعديل وضعهم من خلال توفير تأمين حياة لهم كعلاوة خطر وتأمين صحي، إلى جانب توفير حماية أمنية لهم بالتنسيق مع وزارة الداخلية، فالمفتشون الحاليون الذين يعملون على حراسة البحر ليسوا مفتشين بالأصل؛ بل هم موظفون بإدارة الثروة البحرية يقومون بجهود ذاتية، كما إن ملابسهم تتعرض بأكملها للماء نظراً لكون سرعة القارب 200 كيلومتر مما يجعلهم عرضة للإصابة بالأمراض بشكل دائم، خاصة مع تغيير الجو الحاصل، إلى جانب ضرورة تحسين مستوى رواتبهم مقابل الجهود التي يقومون بها والتي تتجاوز 12 ساعة متواصلة داخل البحر، فالحاجة التي تفرض نفسها اليوم ضرورة إيجاد رقابة بحرية حقيقية لا رقابة بحرية ذاتية أو محكومة بأوجه الفساد والتخبط، كما يشاع، إلى جانب إيجاد استراتيجية شاملة لمواجهة الفساد وإيجاد آليات لفرض هذه الرقابة الصارمة قبل فوات الأوان بدلاً من إعلان وجود استراتيجية، فيما واقع البحر تترك «أبوابه مشرعة» من سنين على هذا الحال لكل مخالف ومتجاوز ينفيها.
إحساس عابر بتصرف..
قالوا «وشلك بالبحر وأهواله ورزق الله على السيف»، قال «تركوني تره اللعبه بالبحر سايبه!».