في ظني أن السياسة الإسكانية التي تتبعها وزارة الإسكان صحيحة من حيث استهدافها تلبية أكبر عدد من طلبات الإسكان المتراكمة لدى الوزارة منذ عام 1992، بل إنها تزداد سنوياً بأعداد توازي دخول الشباب الحياة الزوجية، ومثلهم من الذين يحصلون على الجنسية البحرينية، وتكون زيارة وزارة الإسكان أول عمل يقومون به، عكس الدول الأخرى التي تمنح الجنسية للشخص القادر على امتلاك مسكن وإقامة مشروع صناعي أو تجاري خاص به.
لكن الخطأ في السياسة الإسكانية هو استهدافها حل المشكلة الإسكانية وتلبية الطلبات المتوالية من خلال إسكان المناطق، أي بناء عدد من الوحدات السكنية في مناطق متعددة وبعدد محدود يحكمه توفر الأراضي (وهي عادة ما تكون نادرة) والقدرة على استملاك الأراضي في كل منطقة من هذه المناطق، بما يحتاجه الاستملاك من تخصيص ملايين الدنانير، وفي حالة عدم توفر الأراضي والاستملاكات يتم اللجوء إلى البحر حيث تخصيص مبالغ كبيرة أيضاً لعمليات الدفان، أو بالأحرى تدمير البحر والقضاء على الثروة البحرية والبيئية والمخزون الغذائي منها.
وبالإضافة لذلك فإسكان المناطق يحتاج إلى بنية تحتية جديدة ومكلفة من شوارع وماء وكهرباء وشبكات هواتف وخدمات أخرى معروفة، من أجل خدمة عدد محدود من الوحدات السكنية في هذه المنطقة أو تلك.
فما نقرأه من أخبار الإسكان كل يوم تصريحات تتعلق بإسكان الحورة وإسكان أم الحصم وإسكان البسيتين، وقلالي، والبديع وسنابس وسترة والحد وغيرها من المناطق، ومعظمها مرتبط بزيارات قام بها نواب الخدمات في هذه المناطق إلى سعادة وزير الإسكان ليس لمطالبته بوضع استراتيجية شاملة ومبرمجة لحل المشكلة الإسكانية على مستوى المملكة ولكن لبناء وحدات سكنية في المجمعين أو الثلاثة التي يمثلها في مجلس النواب، دون أن ينظر أي منهم إلى جدوى هذه الحلول المجزأة والترقيعية للمشكلة.
إن مصلحة البحرين وشعبها أن لا تلتفت الحكومة ممثلة بوزارة الإسكان إلى تسولات نواب الخدمات والتي لا تخدم إلا مصالحهم الانتخابية الخاصة، وأن تتجه فقط إلى إنشاء المدن السكنية الكبيرة على غرار مدينة عيسى ومدينة حمد اللتين سكنهما من كل مدن وقرى البحرين، وكونوا بذلك السكن مجتمعاً بحرينياً متجاوراً متجانساً ومتحاباً ينبذ الكراهية والتفرقة الطائفية، وهو هدف اجتماعي وسياسي نحن في أشد الحاجة اليوم بدلاً من إسكان المناطق المكرس للهدف المضاد، والمبدد للمال العام والمؤخر والمعطل لحل المشكلة الإسكانية.