هناك مواضيع تستوجب تكرارها مرة ومرتين وألف، باعتبار أنه حتى مع التكرار، فهي لا تتحرك ولا تنصلح ولا تعالج، بالتالي يتوجب على الصحافة اليوم أن تكرر كثيراً من المواضيع التي تطرحها، خاصة مع حقيقة أن دور الصحافة تحول (بسبب أسلوب التعامل معها) من أداة تغيير إلى أداة ضغط لا أكثر.
اليوم حينما نتحدث عن ملفات الفساد والمحاسبة واللجان المشكلة والتصريحات في الصحافة والإعلام بشأن الإجراءات والمحاسبة والتحقيقات والإحالة إلى النيابة على آخر الأمور، فإننا فقط نذكر أننا اليوم في شهر يونيو، أي أن العام انتصف، أي أننا على بعد أشهر معدودة على الأصابع لصدور تقرير جديد لديوان الرقابة المالية والإدراية.
بصراحة شديدة وبلا زعل، استبشرنا خيرا بالإجراءات والتحركات بشأن التقرير الأخير الذي صدر، وقلنا بأنه أخيرا وجد لدينا تحرك لمحاسبة المتسببين في المخالفات الإدارية والمالية في التقرير الأخير (بغض النظر عن التقارير السابقة التي دفنت رحمها الله)، لكن للأسف حينما نقيس اليوم مستوى الإجراءات بحجم المخالفات ومقارنتها بمستوى التصريحات بشأن المحاسبة، نقول وللأسف بأننا بعيدون بعداً كبيراً عن إثبات مصداقية القول إن الفساد محارب وإن المتسببين فيه سيطالهم القانون الإداري باعتبارهم أخلوا بالأمانة والمسؤولية.
نجزم بأن التقرير القادم سيكون كالعادة أكبر حجماً من الأخير، في استمرار لعملية «نمو» التقرير بزيادة مخالفاته وزيادة هدره المالي وزيادة ترسيخ الصورة بأن المحاسبة ضائعة في هذا البلد.
لسنا نوجه الأصابع لأشخاص ومسؤولين في مختلف القطاعات، رغم أن هناك مخالفات إدارية تثبت مسؤوليتهم وتضعهم أمام المسائلة، لكننا كنا نظن بأن الواقع سيصبح أفضل، أملنا خيراً بأننا أخيراً سنضع حداً لكل مستهتر بالمال العام أو العمل الإداري، توسمنا خيراً بأن المستقبل سيكون أفضل في هذا الجانب، وأن القادم سيكون أصح بوضع الأشخاص المناسبين الأمناء والأكفاء في مواقع المسؤولية واستبعاد من أثبتوا عدم جدارتهم وفشلهم. لكن هل كل هذا حصل؟!
فقط ركزوا في الصورة الحالية بدقة لتصلوا إلى الإجابة المنطقية، ونعني هنا بعدم محاسبة أي مسؤول كبير على خلفية التقرير الأخير، عدم الضرب بقوة على الفساد وعدم التعامل بصورة مؤثرة تنتج حتى تفاعلاً من قبل الناس إن أحست بالفعل أن هناك أموراً تتحقق.
هنا فقط نقول للدولة بأن مسؤوليتها أكبر من لجان وإجراءات عبرها تأخذ وقتاً طويلاً، المسؤولية تكمن في ضرورة المحاسبة الفورية، إن كان من مسؤول كبير وزيراً أو وكيلاً وغيرهما وأي قطاع يثبت أنه يسير بطريقة معوجة أو خاطئة، يفترض أن يكون التعامل عاجلاً وسريعاً بالمحاسبة والتعنيف حتى الوصول للإقالة. ولا نبالغ أبداً هنا، فمن يقسم على حمل الأمانة عليه أن يثبت أنه على قدر القسم، ومن يخرج في تصريحات رنانة على الناس يعد بأمور وأمور يجب أن ترصد تصريحاته ويقيم أداءه ويثبت بأن هناك عملاً حقيقي على الأرض لا مجرد كلام للاستهلاك الإعلامي، ومن يثبت بأن استهتاره يصل لهدر المال العام، هؤلاء لا يجب أن يطول البال عليهم ويمنحوا فرصاً أخرى وأخرى. منح الفرص هو ما جعل تقارير الرقابة المالية تتضخم، وهو ما أوصل الناس لدرجة الاستخفاف بأي إجراء يتخذ مع الجزم بأنها ليست إلا إبر تخدير ومسكنات، لأننا في النهاية في بلد يعرف فيها المستهتر والمخطئ لكنه لا يحاسب وإن أهدر ملايين الملايين.
عموماً شهور قليلة وننتظر صدور التقرير الجديد الذي سيكون بمثابة إعلان إحالة التقرير الحالي إلى جنب أشقائه السابقين في طيات النسيان.