إذا كانت للدولة ذاكرة ضعيفة، وأخذت تنسى «الوكر» الأول للانقلاب على النظام والدولة في 2011، فإن ذاكرتنا الوطنية حية، وذاكرتنا الحية نقولها وننقلها للأجيال جيلاً وراء جيل، عما حدث ويحدث حتى اليوم، عن تسليم البلد للخائن، عن تضييع الخارطة الوطنية، عن تضييع الدولة «مفاتيحها» وإعطائها إلى من يغرس خناجره في الظهر حتى اليوم.
أزمتنا هي أزمة تعيين وزراء يعملون لمصالح فئوية، وليس لصالح الوطن، بينما الدولة مازالت تتمادى في ذلك، وهذا حجر الزاوية في الاستيلاء على الدولة، انظروا ماذا فعل «أحدهم» في وزارة مثل وزارة العدل حين عين وزيراً لها..!
انظروا ماذا فعل أحدهم حين عين وزيراً للبلديات وهي من الوزارات الخطرة التي تتعلق بالأراضي و«التراخيص» والبناء، وامتدادات القرى..!
انظروا ماذا حدث ويحدث في وزارة الصحة، فالخراب من الأسفل إلى الأعلى حتى وإن كان الوزير الحالي لا يتحمل مسؤولية كبيرة فيما حدث سابقاً، لكن عليه مسؤولية تصحيح وطنية، وأعتقد أنه لا يمارس التصحيح.
انظروا ماذا فعلوا في وزارة العمل، ها هي كما ترون، ثكنة من الثكنات..!
انظروا ماذا فعل من تعاقبوا على وزارة الصناعة والتجارة، حتى أصبحت كما ترون، والسيطرة على التجارة والاقتصاد هدف رئيس وقد تحقق.
سلمتم التعليم والبعثات سنوات طوال، وتسليم البعثات في وزارة التربية كان الطريق للاستيلاء كل المهن وعلى الطب وعلى «السلمانية» وجمعية الأطباء، وعلى القطاع الطبي والصيدلة، وهكذا.
انظروا ماذا فعلوا في وزارة الأشغال، ها هي أمامكم، والنسب متوفرة للدولة، فمن الذي ضيع البلد؟
هل المواطن الشريف الذي وقف وقفة مشرفة في الفاتح حين ماجت الأرض وهاجت، هو الذي ضيع الدولة، أم أن الدولة هي التي ضيعت الدولة؟
إنه من أصعب الأسئلة وأكثرها مرارة وقسوة، ونحن نشعر أن درس 2011 لم يجعل «الرأس» تفوق من النشوة بعد..!
هل نحن ضيعنا الدولة، أم الدولة ضيعت نفسها، وأضاعت من وقف معها، ووضع أياديه وقلبه من أجل ألا تميل سارية السفينة، وبالتالي تغرق هذه السفينة إلى الأبد..!
في ذكرى الفاتح المشرفة الثالثة، تأتي هذه الذكرى وفي القلب غصة وألم، ونحن نراوح مكاننا، والبلد لا تصحح مسارها خوفاً من أمريكا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، نرجوكم لا تضيعوا بنيانكم الداخلي، وعمودكم الفقري، عندها لن تنفع أمريكا ولا بريطانيا.
تصحيح هجرة القبائل والعوائل في منتصف القرن الماضي، لا يصححه التجنيس العشوائي، وإنما يصححه أن يحل الأمن أولاً ويقمع الإرهاب بتطبيق القانون، ومن ثم إعطاء الجنسية لأمثال الذين خرجوا ولم تعبأ بهم في ذلك الوقت، حتى اختل الميزان في 2011.
من أين نبدأ جرحنا، وأين ننتهي، ليس الخوف على الدولة من الخائن، الخائن تعرى وانكشف، ولن يفلح «الخائن» حيث أتى، لكن خوفنا من الدولة التي تعيد الخونة إلى أماكن خيانتهم، ومن الدولة التي تنصب من يعمل ضدها، ويضع أقنعة الولاء والحب، وربما قصائد الشعر العصماء، وهو «ألد ألخصام»..!
ليس من الخائن خوف، فكما يقول رجال الأمن، يتفرقون بصرخة، وبصوت إطلاق عبوة مسيل الدموع، الخوف من أن تضيع الدولة من الداخل، ومن الوزارات والمفاصل.
اسألوا ما يحدث في وزارة المالية مثلاً، من الواجب معرفة ما يجري هناك، وهي من أخطر الوزارات، لكن ماذا نقول..؟
إذا كانت على عين الدولة «غشاوة» فمن يزيل الغشاوة، ومن يعيد السفينة إلى طريقها الأول، إنها أسئلتنا المريرة في الذكرى الثالثة للوقفة المشرفة للفاتح.
أعود إلى السلمانية الذي يحتاج إلى زلزال بقوة 10 درجات على مقياس رختر البحريني، عله يصطلح حاله من بعد خراب السنوات، ومن بعد الاستيلاء عليه في كل أقسامه، والجميع يتفرج، حتى أصبح قاعدة الانقلاب الأولى.
بالله عليكم لو أن دولة أخرى تعرضت إلى ذلك ماذا عساها أن تفعل في مثل هذا المستشفى من بعد القضاء على الانقلاب؟
اليوم تنكشف قضايا فساد في المشرحة، وهي تابعة لوزارة الصحة ومستشفى السلمانية، فساد حتى في تسليم الموتى، بالله عليكم إلى أين يضرب هذا الفساد أطنابه، وأين قرار جذوره، حتى المشرحة بها فساد مالي وأخلاقي.. لا حول ولا قوة إلا بالله..!
أين الوزير، أين الدولة، أين وزارة المتابعة، أين جمعية الأطباء، أين ديوان الرقابة المالية، أين مجلس النواب.. أين.. أين.. أين.. حتى يبلغ الوجع مداه..!
كتبت سابقاً ذات مرة، أن أهم تحدٍ يواجه الدولة البحرينية اليوم هو تحدي الفساد وتحدي الإرهاب، وهذان اللذان ينخران في جسد الدولة حتى اليوم والغد، فمتى ما تمت المعالجة الصحيحة الفورية القوية الراسخة، سوف يتوقف ألمنا والوجع، وسوف نشعر أن هناك تصحيحاً وهناك إعادة السفينة لمسارها الأول الصحيح.
إذا كان في الموتى فساد، فكيف هو الحال لدى المواليد، أعتقد أن العقل يقول إن المواليد أبقى، وأكثر أهمية من الموتى، وقد كشفت لنا الأزمة الأخيرة أن هناك فساداً في الموتى، وفساداً في تسجيل المواليد، فانظروا من الذي يقبع هناك، ويصنع كل هذا الفساد المالي تارة، والطائفي تارة أخرى.
مستشفى السلمانية يحتاج إلى ثورة تصحيحية عاجلة غير آجلة، صححوا المسيرة، أبعدوا الأيادي المريضة عن المستشفى، خططوا للمستقبل، بالسلمانية والمراكز الصحية، هذا أهم أولويات تصحيح سياسات الانقلاب.
انظروا كيف بدأت عجلة كشف بعض الفساد تدور من بعد أن تصدى سمو ولي العهد حفظه الله لملف الفساد المالي والإداري، حتى إدارة مكافحة الفساد بدأت تواكب المسيرة بشكل أكبر من ذي قبل، حين وجدت أن قراراً قوياً من الدولة يدعمها، وهذا ما كنا نحتاجه، فالفساد في الغالب ما يصطدم برؤوس كبيرة، والرؤوس الكبيرة تحتاج إلى رؤوس أكبر..!!
- سري للغاية..
دار بين أحد ملاك مؤسسة تجارية كبيرة (هذه المؤسسة تتعرض إلى مقاطعة كبيرة من شارع الفاتح حتى اليوم) وأحد رجال الأعمال الوطنيين، فقد قال صاحب المؤسسة التي تتعرض للمقاطعة كلاماً قوياً، واعترافاً مبيناً، إذ قال: يا أخي أقولك شيء، ترى والله ذبحتنا المقاطعة..!
فقال له التاجر الوطني: هل صحيح ما تقول؟
أجاب: نعم «ذبحتنا المقاطعة ذبحاً»..!
هذا ما قاله التاجر الذي كان شعار مؤسسته موجوداً في دوار الانقلاب.
وهذه رسالة إلى الشارع الكبير، هل عرفتم قوتكم في المقاطعة؟
هاهم يصيحون من مقاطعتكم، فأنتم القوة الشرائية الأولى في البلد.