كل من شاهد الصور التي تم نشرها من قبل البعض في «التويتر» و«الفيسبوك» والتي تبين جانباً من تعامل قوات الأمن مع المشاركين في تشييع متوفى في سترة الثلاثاء الماضي اعتقد ولو للحظة أن وزارة الداخلية تتجاوز صلاحياتها وتعتدي على الناس، ذلك أن الصور يُفهم منها أن المشاركين في التشييع كانوا يسيرون في أمان الله (وفجأة) ظهرت لهم قوات الأمن وتعاملت معهم بغلظة و(أغرقت) المكان بمسيلات الدموع.
لكن كل من شاهد الصور الأخرى التي قام نفس ذلك البعض بنشرها قرر على الفور أن قوات الأمن كانت محقة في اتخاذها قرار التعامل مع المشاركين في التشييع، ففي هذه الصور توفرت الأسباب التي بموجبها يتيح القانون لرجال الأمن، سواء في البحرين أو في أي بلد، التصرف بهذا الشكل، وهو في كل الأحوال تصرف لم يتجاوز القانون ولم يكن «مفرطاً» كما قالوا وعلقوا (لزوم الشحن والتحريض)، حيث الهدف كما تبينه هذه الصور كان تفريق المتظاهرين الذين استغلوا مناسبة تشييع المتوفى واعتبروا المناسبة فرصة للمواجهة مع رجال الأمن الذين نالهم ما نالهم من قنابل المولوتوف الحارقة القاتلة.. وهو ما أظهرته الصور التي قام أولئك بنشرها أيضاً.
هذا يعني أنه لولا أن مسيرة التشييع خرجت عن مسارها وهدفها وتم خلطها بأمور أخرى لما اضطر رجال الأمن إلى التعامل معها وسعوا إلى تفريقها بمسيلات الدموع، ذلك أنه لا يتوفر لقوات الأمن أي مبرر لو أن الأمر سار بشكل عادي، أي أن المشيعين ساروا بالجنازة وهم يذكرون الله سبحانه وتعالى ويهللون وأتموا مراسم الدفن وساروا إلى حيث يتلقى أهل المتوفى العزاء وطلبوا له الرحمة والمغفرة.
ما حدث -ويحدث دائماً في مثل هذه المناسبات- هو أن المشاركين في التشييع خرجوا عن الموضوع وحولوا التشييع إلى مظاهرة تم فيها رفع شعارات مناوئة للدولة ووضع صور لقادة خليجيين على الأرض وداسوا عليها بالسيارة التي تحمل الجنازة وبأحذيتهم، وهو أمر لا يمكن حتى للمجنون إلا أن يقول عنه إنه خطأ ولا يجوز، وإن المراد منه هو توفير فرصة لحصول مواجهة بين من استعدوا للأمر بالمولوتوف ورجال الأمن.
ليس معقولاً ارتكاب الخطأ وتحميله للآخر المعني بتوفير الأمن عبر نشر صور تبين الناتج ولا تبين السبب، وليس مقبولاً أبداً استغلال مصائب الناس للإخلال بالأمن والدخول في مواجهة مع قوات الأمن ثم القول إن المعتدى عليه هو المعتدي، وأن المسيرة سلمية وإننا ضد العنف!
تشييع المتوفى إلى مثواه الأخير ينبغي ألا يستغل في أمور سياسية حتى وإن كان ذلك البعض يعتقد أن المتوفى قضى لأسباب ذات علاقة بالسياسة، فللتشييع حرمة ينبغي الوفاء بها وعدم تجاوزها. الأمر الطبيعي أن يتم حمل الجنازة على الأكتاف والسير بها إلى المقبرة والصلاة على المتوفى ودفنه ووقوف أهله لتقبل التعازي ثم انصراف كل حي إلى شأنه، لكن تحويل التشييع إلى مناسبة للدخول في مواجهة مع رجال الأمن باستغلالها وتغيير مسارها وتطعيمها بما لا علاقة له بالمناسبة أمر لا يمكن استيعابه، وليس له هدف سوى اصطناع المواجهة مع قوات الأمن لالتقاط بعض الصور التي يمكن الاستفادة منها إعلامياً، بدليل أن كل الصور والأفلام التي تم تصويرها للتشييع وما تلاه من مواجهات تم إيداعها في حضن السوسة الإيرانية (فضائية العالم) بعد دقائق معدودة ليتم بثها في البرنامج اليومي المخصص للاعتداء على البحرين قيادة وحكومة وشعباً.
ما حدث أخيراً في سترة، وليس مستعبداً أن يحدث اليوم في المسيرة التي قيل إن «قوى المعارضة» تعتزم القيام بها في إحدى القرى- أمر يسيء إلى «المعارضة» أولاً وأخيراً ويظهرها في مظهر المغلوب على أمرها.