عثرت على لقاء صحفي قديم أجريته في 22 يونيو 1996 في جريدة «الأيام» العدد 2665 مع السيدة التي انفجرت بها عبوة ناسفة في مايو من ذلك العام و تسببت ببتر يدها وتشوهــات في ساقها وأسقطت حملها، نتيجة محاولتها استخراج لفافة موجودة بين (الطابوق) وسكب ماء عليها قبل أن يعثر عليها رجال الأمن، بعد أن طلب «علي» زوجها المسجون في «جو» أثناء زيارتها له أن تقوم بذلك، و لم يقل لها ما الموجود في هذه اللفافة؟ وما هي خطورتها؟ وكيف تأخذ حذرها منها؟ فسحبتها بقوة وانفجرت بها مسببة لها تلك العاهات.
تمر هذه الأيام الذكرى الثامنة عشرة لانفجار العبوة الناسفة ويمر 18عاماً على بتر يدها، ويمر 18عاماً على عمل ماكينة تبييض وتكذيب الإرهاب، و18 عاماً على مساعدة كويتية لأعضاء من ذات التنظيم مثلها في مجلس الأمة الكويتي حين ذاك النائب عبدالمحسن جمال، و18عاماً إنكار وجود إرهاب لجماعة الولي الفقيه، و ربما خرج «علي» من السجن حين تولى جلالة الملك حمد، وربما حملت نوال مرة أخرى بعدها، وربما يبلغ ولدها الثاني أربعة عشر عاماً، وربما يكون أحد المقبوض عليهم من المراهقين وهم يحملون المولوتوف؟!!
ما دعاني للكتابة عن هذا الحوار الصحفي القديم رغم مرور ما يقارب العشرين على هذه الحادثة وأكثر من ثلاثين عاماً على نشاط الجماعة الإرهابي هو أن الدنيا تغيرت، والدولة تغيــرت وتلك الجماعة لم تتنازل عن مشروعها، واليوم نحن نتعامل مع الجيل الثالث الذي يحمل ذات المشروع ويتشربه مع الحليب منذ الصغر، فمادام في العالم «ولي فقيه» إيراني تحديداً فلن ينتهي الإرهاب ولن يموت المشروع.
هذه «الجماعة» جماعة الولي الفقيه لن تستطيع أن تتصالح مع الدولة حتى وإن كانوا بحرينيين، مثلما صعب على اللبناني أو العراقي المنتمين لتلك الجماعة أن يتصالحا مع دولهما مهما بذلت الدولة ومهما فتحت من صفحات جديدة، لن يستطيعوا، القرار ليس قرارهم.
فقد كان أمام «الجماعة» فرصة ذهبية للانخراط في مشرع الدولة المدنية حين تقدمت البحرين عام 2000 بمشروع تصالحي منحت من خلاله كجماعة مساحة للشراكة في الحكم والانتقال النوعي للديمقراطية، انتقال شهد به العالم كله ولم يكن شكلياً ولم يكن صورياً كما يدعون، ووصلت البحرين به إلى مراحل متقدمة -والتقدم كما نعلم مراحل- لكن ذلك لم يغير من الأمر شيئاً، ها نحن على عمر جيلنا نحن نعود بعد مضي عشرين عاماً نكتب ذات الرأي ونناقش ونفند ذات الأكاذيب ونكشف نفس الادعاءات، ها نحن بعد عشرين عاماً نعود للتفجيرات والعبوات الناسفة وبتر الأطراف وإزهاق الأرواح وخسائر وحرائق وقتلى، والمشروع ثابت لم يتغير «إقامة دولة الفقيه» ومن ذات الجماعة والعالم كله من حولها يتغير.
خرجوا من البحرين لبسوا البدل وضعوا الجل واستوطنوا عاصمة الضباب وتحدثوا باللغة الإنجليزية بطلاقة وعادوا مع العائدين والمشروع ثابت لم يتغير.
الحوار الذي أجريته مع «نوال» يلخص حجم المأساة التي لم نعالجها كما يجب حيث لم نصل كمجتع ودولة إلى عقل نوال واعتقدنا أن تعديل نص دستوري أو منح صلاحيات أوامتيازات لفقيهها سيمكن أتباع تلك الجماعة أن تتصالح مع الدولة.
الحوار مع نوال التي تمثل غالبية أهل القرى في بساطتها وصفاء ونقاء سريرتها، يلخص لنا حجم المأساة التي تواجه مشروع الدولة المدنية، حيث الطاعة العمياء لسلطة الزوج أو الأب أوحتى سلطة أهل الزوج أو العمامة المتحكم الرئيس لعشرات بل مئات الآلاف من البشر، وتجعل من خسارة عضو من أعضاء الجسم أوإسقاط الجنين قدراً حتمياً وثمناً بخساً يدفعه الإنسان وهو راضٍ من أجل تحقيق أحلام الآخرين، وتبرير «يقولون» كافٍ لفهم الأمور وإجابة وافية تدفعني لأن أسحب لفافة دون أن أسال ما بها.
حين جلست بالقرب من سرير نوال أصابتني غصة لمنظر ذراعها المبتور وهي الفتاة العشرينية توقعت أن تحمل نوال غضباً وصرخة تنتظر من يساعدها على إطلاقها لكنها فاجأتني حين طلبت مني أن أكتب في جريدة الأيام أن ما أصابها هو نتيجة سقوطها في السطح وهي تنشرالغسيل!! وحين رأت دهشتي قالت إنني أخاف أن أتسبب بأي ضرر لزوجي أو لوالدته أوأهله الذين سأخرج من المستشفى لأعيش معهم إلى أن يخرج علي من سجنه، وحين طلبت من نوال أن تعبر عن مشاعرها، بكت وروت لي القصة كاملة لكنها ختمتها بقولها (بيت أبوي ناس في حالنا لا نريد مشاكل مع أحد، أمي هي أقرب الناس لي لم أخبرها عن اللفافة حتى لا تحدث مشاكل بين العائلتين، ثم قالت لي أنت لا تعرفين ما الذي يحدث عندنا (لو نقول شدي ها شبوا فينا ما نقدر نقول شي، لازم نفرح إذا مات شهيد) وحين كتمت أنا غيظي وسألتها لقد فقدت ذراعك وتشوهت ساقك وفقدت طفلك من أجل ماذا يا نوال؟ قالت «هم يقولون كل شي يهون علشان هذا شسمه البرلمان»! هذا الكلام كان عام 1996 ماذا تغير؟
سؤالـــي الأخيــر؟ هــل تستطيـــع أي تعديـــلات دستورية أن تقنع «تنظيم هذه الجماعة» إنهاء حالة الصراع؟ مستحيل ما لم تسلمهم مفتاح الحكم فإن حفيد علي ونوال سيواصلان (نضال) العمامة، طالما أن ميدان المعركة الأساسية للدولة متروك للعمامة أن تحتله دون أي محاولة لاسترجاعه.