أثار مشهد العاهل المغربي، الملك محمد السادس، سائراً على قدميه دون حراسة لصيقة في شارع بورقيبة، والذي كان شاهداً على انطلاق الثورة التونسية، متحدثاً مع الناس ببساطة وانطلاق في وقتٍ يخشى فيه كثير من المسؤولين والنخب التجوال العلني، خاصةً بعد اغتيال رموز معارضة كالبراهمي وبلعيد وإفشال محاولة اغتيال وزير الداخلية التونسية مؤخراً، حيث جال الملك متحدثاً مع جمهور الباعة والمتجولين والجمهور في وقت شهد فيه المسرح الرسمي تهنئة مغربية على دستور تونس الذي أتى متفرداً، وكان نتيجة من نتائج التغيير وحاملاً مبشرات بعلاقات طبيعية قائمة على الاحترام المتبادل، أثار هذا المشهد حنين عدد كبير من أبناء الجمهوريات التي عصفت بها رياح «الربيع العربي» إلى ملكيات تتمتع بالاستقرار، والقدرة على تجاوز الظروف والمحن دون الحاجة إلى أنهار من الدم ومئات، بل آلاف من الجثث، تقدم كقرابين لطموحات نخب لا تزال تؤمن بالعنف سبيلاً للتغيير. فبعد ما سمي بالربيع العربي؛ والذي عصف بعدد معتبرٍ من الأنظمة العربية «الجمهورية»، برز إلى السطح نقاشٌ لا يكاد يهدأ حتى يثور مرة أخرى، تقوده جملةٌ من الأسئلة والاستفهامات المنطقية، يأتي في طليعتها السؤال الذي تتمحور حوله جل هذه النقاشات؛ هل كان السقوط والتغيير مرتبطاً بالأنظمة الجمهورية؟ بمعنى آخر؛ هل الأنظمة الملكية أكثر متانة وصلابة؟ فهي وإن لامستها رياح التغيير إلا أنها وقفت صامدةً وأبدت قدراً لا يستهان به من الحكمة ومقادير من المرونة التي تخطت حدود ما كانت توصم به من جمودٍ وتحجر.فمن المغرب غرباً إلى البحرين شرقاً مروراً بالأردن والسعودية مرت العاصفة بسلامٍ جزئي، يعيده بعض المراقبين إلى أن الأنظمة الملكية هي الأقرب للطبيعة الاجتماعية والثقافية والتركيبة النفسية للمواطن العربي، والذي ما زال في أغلبه يفضل أنماط الحكم المرتبطة بالرعوية الأبوية.ويعيدها آخرون إلى أن النتائج الأولية لنماذج الربيع العربي الأولى، في تونس ومصر واليمن وليبيا، وما رافقها من صورٍ دمويةٍ وأفعالٍ بربريةٍ وردات فعل شعبيةٍ مروعةٍ، حملت رسائل سلبية تجعل المواطن في الدول ذات الحكم الملكي المستقر يعيد النظر كرتين قبل التفكير في تغيير دامٍ يحمل نذر الخراب، عزز ذلك ما يلمسه مواطن هذه الدول من الاستقرار الأمني والاقتصادي النسبي والسياسي، ما يجعل الشريحة الأوسع من مواطني تلك الدول ترفض ما غدا يسمى «ثورات الرفاهية»، والتي مثلتها أقلية من النخبة، التي وإن كانت بعيدةً عن هموم الشارع وإرهاصاته؛ إلا أنها لا تمانع من استغلال هذه الهموم وتلك المصاعب للوصول لغاياتها التي لا تفيد إلا السياسيين المحسوبين على تيارات غير ذات تأثير ملموس، فبقيت هذه الدعوات حبيسة صفحات «فيسبوك» و»تويتر»، وغير قادرة على لعب دور حاشد وفعال، فانتهت من حيث بدأت تغريدات هنا وهناك.ويبقى كل ماسبق غير قادرٍ على تقديم إجابة شافية للأسئلة الأصعب؛ هل مضت الموجة الثورية بسلام أم أن عصا التغيير ماضية في خبطها العشوائي لترسم مشهداً جديداً؟أياً كانت الإجابة فهي لن تخرج بمشهدٍ أقوى من ومزية جولة العاهل المغربي في شارع بورقيبة، قدس أقداس ثورات التغير العربية، لتعقد هدنة مشروطة تتوقف فيها طموح الجمهوريات عن تصدير ثوراتها توقفاً نابعاً عن تفهم طبيعة الاختلاف ومداه، وتتطور فيه الملكيات تطوراً لائقاً بطموحات وتطلعات شعوبها طواعية .- ورق أبيض..جولة العاهل المغربي في شارع بورقيبة، أعادت لذاكرتي تهديد زعيم حركة النهضة الإسلامية، راشد الغنوشي، خلال ندوة في «معهد واشنطن» للدراسات بداية العام 2012 بأن «حركة الاحتجاجات والتغيير في المنطقة ستطال دول الخليج». فهل ستتحقق النبوءة أم ستكون كسحاب لا يحمل مطراً؟! الإجابة واضحة..
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90