يرى الباحثون أن دول مجلس التعاون تمر بحركة تفاعلات تؤثر في بناها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وبما أن مجتمعات هذه الدول مجتمعات فتية يشكل الشباب فيها أكثر من نصف عدد السكان، ونتيجة للنهضة التعليمية التي شهدتها وتشهدها هذه المجتمعات، تطور الوعي والإدراك لمعطيات الواقع السياسي والاجتماعي المحلي والعالمي، وصارالإحساس بالحاجة إلى إحداث نقلة نوعية للتغيير، لذا صارت هذه المجتمعات تطالب وبصوت عال بتوسيع المشاركة السياسية وتعزيز الحريات العامة وحقوق الإنسان وإحداث الإصلاحات في كل جانب.
هذه الحقيقة كان قد أوضحها وزير خارجية دولة الإمارات، الشيخ عبدالله بن زايد، في محاضرة له ألقاها قبل نحو عشر سنوات في مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، وتضمنت تفاصيل عن أهمية منطقة الخليج العربي والتغيرات التي تشهدها وتلك المتوقعة، بالإضافة إلى مجموعة من الآراء والأفكار التي يؤمن بها سموه والتي تصب في صالح الحرية وفي صالح شعوب دول التعاون الفتية.
والأكيد أن أحداً من المسؤولين في دول التعاون كافة لا يختلف على كل هذه الأفكار والآراء أو على هذا التحليل، حيث الجميع يؤمن بأن تبني هذه القيم «من شأنه أن يهيء البيئة الإبداعية الخلاقة التي تسهم في تجسير الفجوة بين منطقة الخليج والعالم المتقدم».
هذا يؤكد أن قادة التعاون لا يقلقون من شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان -كما يحاول البعض أن يشيع- لو كان رفعها من أجل تعزيز هذه القيم ولم تكن للمزايدات ولم تكن شعارات زائفة يراد من رفعها الوصول إلى ما قد يكون سبباً في الإساءة إلى المجتمعات الخليجية وتهديد أنظمتها، وهذا ما ينبه إليه صاحب السمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة دائماً في لقاءاته بالمواطنين، حيث يؤكد أن سنة التطور تحتم توسيع المشاركة السياسية وتعزيز الحريات العامة والاهتمام بحقوق الإنسان، إلا أنه علينا أن ننتبه إلى ألا يتم رفع هذه اللافتات وغيرها للوصول إلى ما يسيء إلينا ويهدم ما بنيناه.
إن ما مرت به بعض البلدان من تجارب وما آلت إليه أحوالها تدفع أي سلطة إلى الارتياب في كثير من الشعارات الجميلة التي يتم رفعها وتتضمن مفردات مثل الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، فمثل هذه الشعارات الجميلة تصير قبيحة لو كانت مجرد لافتات تخفي وراءها نيات سيئة وأفعال شينة.
لا أحد ضد الحريات، فطبيعة البشر -والحكام جزء منهم- تميل نحوها وتسعى كي تزداد مساحتها، ولا أحد ضد الديمقراطية التي تكفل ممارسة الحريات وتؤكد دولة القانون والمؤسسات، ولا أحد ضد حقوق الإنسان حيث الجميع من دون استثناء ينشدها، لكن هذا لا يعني التسليم لتلك الشعارات لمجرد رفعها، فما هو حاصل للأسف أن هذه الشعارات يتم استغلالها من قبل تلك الدول التي لها مآرب في المنطقة وتسعى إلى إحداث التغيير الذي يصب في صالحها ويضمن لها مصالحها، وهنا بالتحديد تكمن المشكلة.
شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والحكم الرشيد وحقوق المرأة وتمكينها؛ كلها جميلة ومرغوبة، فهي شعارات تنبع من ديننا الإسلامي الحنيف الذي يؤكد على الحريات وحقوق الإنسان وعلى كل الحقوق، لكن رفع هذه الشعارات بغية الوصول إلى أهداف لم تعد خافية هو ما يجعل العاقل «يكش» منها ويأخذ الحكومات إلى مساحة الارتياب والتعامل معها بحذر، خصوصا مع توفر الأمثلة في العديد من دول العالم؛ القريبة والبعيدة.
لكن هذا لا يعني رفض الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وكل هذه المبادئ التي هي من أساسات مجتمعاتنا الخليجية وليست جديدة عليها بالمطلق، ذلك أن رفضها يعني رفض التطور ورفض كل تغيير إيجابي وهذا ليس في مصلحة بلداننا الخليجية