التصريح الذي أدلى به وزير العمل حول سكن العمال العزاب كما أسماهم، قال فيه: «إن هيئة التشريع والإفتاء القانوني تعمل على إعداد قانون ينظم سكن العمال العزاب، بعد أن حددت الجهات المعنية القصور الموجود في تشريعاتها» لكن الوزير كعادته ومعه الوزراء الآخرين لم يمارس النقد الذاتي ولم يقل لنا ما هي المخالفات وأوجه القصور التي ارتكبت من قبل وزارته والوزارات الأخرى التي اجتمعت وتدارست الوضع بعد حريق المخارقة الأخير، و«حددت القصور الموجود في تشريعاتها»، ووجدت أن الحل الحاسم لمشكلة سكن العمال العزاب هو إصدار قانون خاص بهذه المساكن.
متى سيتعلم المسؤولون البحرينيون، أياً كانت مناصبهم ومواقعهم أنهم بشر، وأنهم يعملون ويجتهدون ومن يعمل لابد أن يخطئ، ومن يخطئ يعترف بخطئه، ومن يعترف بخطئه يعني أنه لن يكرر الخطأ، وأنه -أي المسؤول- بهذا الاعتراف أصبح كبيراً في أعين موظفيه، وأعين زملائه وأعين جميع المواطنين، والناس قاطبة.
وأنا هنا لا أعني وزير العمل وحده، وإنما جميع المسؤولين، الذين نطلع على أخطائهم وإخفاقاتهم المتكررة فيما يقدمون من قرارات، يتراجعون عنها بعد تعرضهم للنقد، وما يدلون من تصريحات متسرعة غير مبنية على معلومات ولا مستندة على منطق.
بودي لو يبدأ مجلس الوزراء تطبيق أسلوب النقد الذاتي، من خلال استعراضه في جلسته الأسبوعية لأداء الوزارات وتقاريرها، وعلاقة هذا وذاك على ما سبقها من مواقف وقرارات لم يحالفها النجاح، فمن الواضح أن الوزير بات حريصاً على تجميل صورته، وتحسين مستوى أعماله وإنجازاته، والتغطية على سلبياته بغرض الحصول على رضا مجلس الوزراء والبقاء في منصبه سنوات وسنوات، في حين أن النقد الذاتي والاعتراف بالأخطاء من سمات الدولة الديمقراطية والمسؤول الديمقراطي وهو على عكس الذين يخفون الأخطاء أو يبررونها.
وعودة إلى وزير العمل فقد قال في تصريحه محاولاً إبعاد مسؤولية وزارته عن حوادث مساكن العمال الأجانب: إن «دور وزارة العمل يقتصر على سكن العمال الرسمي التابع لصاحب العمل إذ تعمل على تفتيش تلك المنشآت بشكل دوري، ونادراً ما تقع حوادث فيها، أما سكن العزاب فالعمال يستأجرون السكن لأنفسهم وليس عن طريق صاحب العمل ما يخرج عن رقابة الوزارة، وهناك 3 آلاف عامل يقطنون في مراكز السكن التابعة للشركات، ويقعون تحت مسؤولية الوزارة».
في حين أن قانون العمل لا يفرق بين العامل العازب والعامل المتزوج، ولا بين الذي يعمل في شركة كبيرة توفر أو تؤجر مساكن لعمالها، وبين تلك الشركات والمؤسسات التي تخير العامل بين المسكن أو الحصول على بدل سكن، وفي كل الحالات فإن القانون ينص على إلزام صاحب العمل الذي يستقدم ويستخدم عمالاً أجانب، سواء كانوا عزاباً أو متزوجين، موظفين كباراً، أو عمالاً غير مهرة، يلزم القانون صاحب العمل بتوفير السكن الملائم لسكنى هؤلاء العمال، والملائمة هنا تعني الاشتراطات الصحية واشتراطات السلامة، وأن يكون السكن مكوناً من عدد من الغرف وبمساحات تتناسب مع عدد الساكنين.
كما يلزم القانون وزارة العمل بالتفتيش على مساكن العمال الأجانب للتأكد من ملاءمة هذا المسكن للعيش الآدمي اللائق، وتسجيل المخالفات على أصحاب العمل الذين يهملون في توفير المساكن غير اللائقة وغير الملائمة لعمالهم.
ولو جارينا وزير العمل فيما يقول فسنصل إلى نتيجة مفادها أن وزارة العمل وذراعها المختص بالعمالة الأجنبية هيئة سوق العمل مختصتان فقط بالتفتيش على مساكن ثلاثة آلاف عامل أجنبي هم قلة من مدراء الشركات والبنوك والمسؤولين في الحكومة، الذين يسكنون فللاً وشققاً فاخرة في أرقى المناطق السكنية في البلاد، وأن الوزارة والهيئة غير مسؤولتين عن سكن 617 ألف عامل أجنبي آخرين يسكنون ويعملون ويعيشون في مدن وقرى البحرين المختلفة، حسبما يقول وزير العمل رئيس مجلس إدارة هيئة سوق العمل.
الوزير يزيد على ذلك أن القانون الذي اتفقت الجهات المعنية على إصداره، والذي سيطلب من الملاك الذين يؤجرون بيوتهم وبناياتهم لعمال عزاب أن يتأكدوا أولاً أنهم عزاب -وهذا مستحيل- وأنهم يستأجرون لأنفسهم ولا يؤجرون بالباطن على عشرات غيرهم، وأن يحصلوا على ترخيص من البلدية التي ستتأكد من سلامة وصحية المسكن.
السؤال الذي على معالي الوزير أن يجيب عليه: هل العمالة السائبة (40 ألفاً) من ضمن العمال العزاب، وهل المساكن التي انهارت واحترقت والمنزل الذي اكتشفت به الفضائح بالرفاع مؤخراً لم يتم ترخيصها من قبل البلدية؟!