قبل أن أعرج على ما أنا بصدده؛ أتوقف عند موضوع كثيراً ما يحدث في البحرين، وليس مستغرباً البتة، لكني أستغرب أن لا تحقيق ولا محاسبة ولا لجان وزارية ترفع توصيات.
تحدثت مع شخص مسؤول صغير في إحدى الجهتين اللتين سآتي على ذكرهما، فقد قال إن هناك أموراً كثيرة تحدث لا تتناولها الصحافة، فقلت له عن ماذا تتحدث؟
أجاب: هناك قضايا تحتاج إلى تسليط الضوء من أجل أن يأمر قادة البلد والمسؤولين بالحكومة التحقيق فيها، ويضيف: أعطيك مثالاً، فقد كانت تبنى الصالات الرياضية للأندية بقيمة مليون دينار حين كانت تحت مسؤولية وزارة الأشغال، وحين تم نقل الأعمال إلى جهة أخرى، تم بناء ذات الصالات بذات المواصفات بذات المساحة بمبلغ 300 ألف دينار..!
يضيف: ماذا يعني هذا الفرق في المبلغ؟
انتهى كلام الأخ، لكني أجبته قبلها بأن الصحافة لا تكتب عن شيء لا تعرفه ولا تملك فيه معلومات ولا تملك فيه أدلة، لكن إن كان كلام هذا الأخ صحيحاً، وهو كما أسلفت مسؤول في إحدى الجهتين المعنيتين، فإن سؤاله في محله؛ كيف كانت الصالة الرياضية تبنى بمبلغ خيالي يبلغ مليون دينار، في حين أن مقاول آخر لا يتبع وزارة الأشغال يبنيها بمبلغ 300 ألف دينار بحريني؟
السؤال الآخر وبقياس الشيء بالشيء؛ إذا كان هذا هو الفرق في بناء صالة رياضية، فكم هو الفرق في بناء المناقصات التي تلامس 100 مليون دينار، لو أعطيت لمقاولين آخرين..؟
مع فرضية أن ما طرح صحيح، ألا تحقق في هذه المعلومات اللجان الوزارية، ألا يفتح مجلس المناقصات تحقيقاً، ألا يحقق ديوان الرقابة المالية في الموضوع، ففي ذلك حفظ للمال العام.
البلد لا تحتاج تغييراً وزارياً شاملاً فقط، تحتاج لتسونامي يكسر كل أوكار التلاعب والفساد الإداري والمالي.
لم أتوقع أن تأخذ الفقرة أعلاه هذه المساحة ـ رغم أن الموضوع يحتاج إلى عمود منفردـ إلا أن ما أنا بصدده هو تعليق كتبه أحد القراء وكان تعبيراً مختصراً موجزاً فيه الكثير من الواقعية والصحة تعقيباً له على إحدى فقرات عمود سابق لي.
يقول القارئ: «لو أن كل وزارة تقوم بواجبها على أكمل وجه وبذمه وضمير وأمانة لما احتجنا إلى برلمان ومجلس شورى، ومكافآت وأرقام فلكية مليونية لمجلسين دون طموح أهل البحرين بكثير، والعتب ربما على المجلس المنتخب أكثر من المعين».
نشرت صحيفتنا الوطن يوم الأحد الماضي في المانشيت الرئيس أن «243 جمعية أهلية دون مجلس إدارة، و213 جمعية بلا مقر»..!!
وهذا يظهر أن هناك ضعفاً في الرقابة وتطبيق القانون، حتى أصبح لدينا جمعيات أكثر من البعوض هذه الأيام..!!
السؤال هنا هل تصرف مخصصات لهذه الجمعيات، إن كان الجواب بنعم فتلك كارثة..!
وزارة الصناعة قالت إنها أحالت 8 مؤسسات تجارية إلى النيابة العامة على خلفية التلاعب بالأسعار، وظننت أن هذا الموضوع جديد، وأن الوزارة أحالت هذه القضايا هذا العام، لكن النيابة العامة أمس قالت إن هذه القضايا منذ 2008، مما يعني أن المعدل قضية في كل عام تقريباً..!!
ولا أريد التعليق على خبر النيابة العامة، فهو يشرح نفسه بنفسه، ويظهر أزمتنا في الرقابة على الأسواق، مع كل احترامي للمسؤولين في وزارة الصناعة والتجارة.
ليس هذا وحسب؛ بل أن الدولة أسست وزارات ولها ميزانيات من غير أن يكون لها داعٍ، وتكلفتها (مش جايبة همها)..!!
جزء كبير من أزمتنا هي أن هناك وزارات وهي معروفة للرأي العام، ومعروفة للقيادة لا تقوم بواجباتها، وتوصل معلومات خاطئة للقيادة عن إنجازاتها ودورها، بينما هناك استياء عام من أداء هذه الوزارات والقائمين عليها، وبالتأكيد أنها وزارات خدمية.
مع كل احترامنا للجهات التي تراقب دور الوزارات وتجتمع وتناقش، إلا أن ما يحدث على الأرض مخجل ومحبط، وإن شئتم فهو مأساوي.
بالأمس أيضاً خرج علينا خبر هروب سجين من سجن جو، وأعتقد أنه السجين رقم 10 إذا لم يكن أكثر في مجمل ومجموع الهاربين، وقد أمر وزير الداخلية مشكوراً بتشكيل لجنة تحقيق، لكن هذا لا يكفي إطلاقاً، فهناك حنق وغضب واستياء كبير لدى الشارع من مسلسل عمليات الهروب.
ما يحدث من هروب السجناء والموقوفين يشكل فضيحة في بلد صغير، الداخلية تقبض على المجرمين الخطرين، وفي السجن يهربون، كأننا نشاهد لعبة كبيرة.
السؤال هنا؛ هل هناك أمور خافية في موضوع هروب السجناء؟
هل هناك متواطؤون من داخل السجون؟ مع أن لهم تسمية أخرى غير متواطئين.
أيضاً نطالب بالتحقيق من صحة المعلومات التي نشرت، فقد نشرت صورة أمس تظهر عمليات التفتيش في قريتي جو وعسكر، والصورة أخذت من دورية شرطة، بينما تم نشر الصورة في مواقع الإرهابيين، فإن كان هذا صحيحاً، فمن أعطى الصورة للإرهابيين وهي من داخل دورية الشرطة؟
هذه أسئلة هامة، وأعتقد أن موضوع هروب السجناء يجب أن تذهب فيه رؤوس، وأن نبحث هل هناك تواطؤ داخل السجون؟
ألا يضيع هذا الأمر جهود رجال الأمن الذين يتعبون الجناة ويقبضون عليهم؟
لدينا أزمة حقيقية داخل الوزارات، هذا الذي أنا بصدده، لم أحصر الأمثلة، فهناك وزارات شهيرة لم آتِ على ذكرها مثل البلديات، والصحة، والتربية، ففيها ما فيها وأنتم أعلم مني بها.
لا يجب أن يُقيم عمل الوزير بالبهرجة أو أمور أخرى لا نريد ذكرها، إنما يُقيم عمل الوزير بالأداء الإداري القوي، والإنجاز، ومحاربة البيروقراطية والفساد، والإنجاز الوطني، وإقامة المشاريع التي تنهض بالبحرين، هكذا يفترض..!