ليس افتراءً ولا تزويراً؛ بل على لسانه وبكلامه وخطابه ونستشهد بما ذكره عيسى قاسم في بعض خطبه عن البحرين وعن إيران، ونبدأ هنا بما جاء في خطبة الجمعة 4 أبريل 2014 تعليقاً على الأحكام القضائية وقوله «إما أن يكون القضاء جائراً وإما يكون الشعب شعب مجرمين، وحاشى لشعبنا أن يكون كذلك»؛ أي أنه يقول إن القضاء البحريني جائر، وهذا الاتهام بأن القضاء جائر هو تطاول على الدولة حين يصف قضاءها بالجائر؛ أي غير العادل، فأي احترام يمكن أن يكون بعد هذا التطاول.وقال في نفس الخطبة «لتأتي الدنيا لتتعلم من ديمقراطيتنا على أن ديمقراطيتنا ديكتاتورية ليس لها من الديمقراطية إلا اسمها.. ديمقراطية يبدو أن الثمن لم يدفع في نظر السياسة القائمة.. ديمقراطية يصر النظام ألا تكون وإن فني هذا الشعب.. وألا تكون حتى تغرق الشوارع من دماء شعبنا وبتيتيم الأطفال في كل بيت، وكأن هذه الرؤية هي رؤية الإقليم ورؤية الدول المؤثرة الصديقة للنظام»، وهو بذلك يتهم الدولة بأنها ظالمة وتقتل شعبها، ويتهم الدولة بالظلم والقتل والتآمر مع الدول الخليجية في قتل الشعب البحريني، أي أنه يتهم الدولة التي يحمل جنسيتها ويعيش على أرضها، الدولة التي مازالت تخصه بحصانة ورعاية رغم إعلان عداوته لها وتحريضه على قتل رجال أمنها في فتواه الشهيرة «اسحقوهم». وننتقل إلى خطبة أخرى لعيسى قاسم لنقرأ من خلالها كيف يمدح الدولة الإيرانية، وكيف يثني على ثورة الخميني فيقول «تلك هي ثورة الإمام الخميني على الوضع الجاهل المتخلف من صنع الشاه في إيران، فجاءت نتائجها مثلها عظيمة، كانت ثورة عظيمة بمبدئيتها الإلهية ورساليتها الإسلامية وبقائدها الشرعي المتميز»، أي أنه يقدر ويحترم الدولة الإيرانية ويمتدح قادتها ويضفي عليهم صفة الشرعية والتميز في مبادئها الإلهية والإسلامية، والتي لا يراها بالطبع في الدولة التي يحمل هويتها ويعيش على أرضها، ثم يصف حكمها بالجائر ويطالب بتغييره ويحرض الشعب على مواجهته، حين يصف الدولة بأنها دولة تغرق الشوارع بدماء شعبها.وفي خطبة أخرى له في يونيو 2009، يمتدح أيضاً الثورة الإيرانية فيقول «العالم الاستكباري لايزال يعيش حالة الارتباك التي ولدتها ثورة السيد الإمام وانتصاره ودولته، وتغذى بالروح الإسلامية والشعور بواجب التغيير الذي يفرضه، كما أوجد جيلاً من القادة الإسلاميين الذين يحملون هم القضية الإسلامية وينافحون على طريق الجهاد»، ثم تهتف الجماهير «لبيك يا خميني»، وهنا نجد الفرق بين من يحرض الشعب على دولته ثم يهتف بعدها «هيهات منا الذلة» وبين من يمتدح دولة غير دولته، فيهتف الشعب ملبياً لقائدها، أي أنه يرى الدولة الإيرانية كما جاء في خطابه بأنها الدولة البديلة التي يجب فرض التغيير منها، وينافح من أجلها بالجهاد بالجيل الذي أوجده الخميني، وهو ما يفعله عيسى قاسم لأنه هو الجيل الذي ينافح من أجل إقامة دولة خمينية.نعم؛ هو يسعى لدولة خمينية، وها هي إحدى خطبه في 2008 تحت عنوان «الإمام الخميني الثورة والدولة» فيقول «كانت على يده ثورة وأقام بالثورة دولة، وكل منهما باسم الإسلام وعلى خطه»، كما ذكر فيها ثلاثة أسئلة منها؛ «ماذا كلفت الثورة والدولة؟ الجواب؛ اضطراب أمني هائل مزلزل في إيران. السؤال الثاني؛ ماذا أعطت الثورة والدولة؟ الجواب؛ إقامة دولة بصيغة إسلامية فقدها العالم الإسلامي واستقلال حقيقي لشعب مسلم وحكومة مسلمة.. وانتقال الشعب من خانة الإلغاء والتهميش. أما السؤال الثالث وهو الأهم؛ أيهما أكبر ما كلفت أو ما أعطت الثورة والدولة البذل أم الكسب؟ الجواب؛ المشروع ضخم، وقد كلف الكثير بمقتضى حجمه وأهميته، وهو بذل لابد منه في كل المشاريع المماثلة والمشابهة، وكذلك ما هو أقل وزناً، وأخفض ثمناً، ولا طريق لتحرير الثروة ورد العدوان عنها وقطع يد سراقها والمستولين ظلماً عليها وهم أكبر سراق العالم إلا بالبذل الكبير الذي يحفظ تدفق عائدها المستقبلي على مدى الأجيال المتعاقبة لصالح أصحابها -أصحاب الأرض- وتاريخها الحقيقيين».الخلاصة.. نرى هنا كيف ينظر الجيل السياسي الذي صنعته الثورة الخمينية في البحرين، جيل لا يحترم نظام دولته، جيل يسعى إلى إقامة دولة خمينية، وهو الذي يجب أن تدركه الدولة، وأنه مهما حاولت أن تقرب أتباع «الجيل الخميني» من إعلاميين ورجال دين، ومهما قدمت لهم، فإن الناتج واحد، وهذا ليس بافتراء ولا تزوير، فقد شاهدنا مسؤولين كباراً في الدولة ومبتعثين على حساب الدولة، جميعهم في مقدمة المظاهرات، جميعهم في الدوار، جميعهم اجتمعوا على إسقاط النظام.الخيار لدى الدولة؛ إما أن تسلم بنفسها أو تسلم نفسها للجيل الخميني الذي ينافح بـ«الجهاد» لإقامة دولته في البحرين.