يعود بنا أحد الوفاقيين اليوم إلى عصر فرعون، والذي طالما سألنا أنفسنا كيف كان عليه الغرور والتيه الفرعوني؟ وكيف كان يفرض على الناس إرادته ويسخرهم لبناء قوته؟ لكننا اكتشفنا اليوم هذه اللغة الفرعونية نفسها؛ بل وأعظم منها، متأصلة في روح أعضاء جمعية الوفاق من رئيسهم حتى تابعهم، وفي روح رجال منابرهم وذلك لتنكشف لنا حال بني إسرائيل وخضوعهم لفرعون الذي ذكر الله صورة لحكمه في قوله تعالى (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد).
وها هو خطاب هذ الوفاقي على قناة «فرانس 24» الذي قال إنه لا يمانع في تشكيل حكومة وبشراكة وطنية مع شخصيات قادرة على وضع خارطة طريق؛ هذا شيء من صلف الديكتاتورية التي كان يمارسها فرعون في قومه؛ إلا إن فرعون كان ملكاً على قومه، فكان الأمر مقبولاً بالنسبة لهم. لكن بالنسبة لهذا الوفاقي فما هو إلا أمر تحققت فيه علامات الساعة، والتي ذكرت ومنها تحدث الرويبضة كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «سيأتي على الناس سنوات خدّاعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة»، وقيل وما الرويبضة يا رسول الله؟ قال: «الرجل التافه يتكلم في أمر العامة»، حيث تسير الأمور خلاف القاعدة، وهذا ما نراه جلياً واضحاً في التصريح الذي يتطاول على الدولة، إلى أن وصل به الأمر أن تكون في يده الممانعة وعدم الممانعة في أن يكون لبعض الشخصيات الوطنية مكان في دولتهم.
إنها لغة النفاق التي ذكرها الله في كتابه (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله)، وهنا ابتغاء الفتنة في كل أمر يسعون إلى تحقيقه، والفتنة من أهل الزيغ لا تنحصر بل هم يطوعونها، وما حديث الوفاقي إلا شيء من هذه الفتنة، وذلك حين يحاول أن يعزو عدم المضي في الحوار بسبب عدم توفر الصلاحية، وهو خلاف للواقع، وذلك لأن أمر الوفاق أولاً وأخيراً ليس في يدها بل في يد إيران وأمريكا.
وها هو تصريح عضو وفاقي آخر يقول «إن وفداً من قوى المعارضة يزور العاصمة البريطانية ضمن جولة خارجية أوروبية التقى فيها الوفد بمسؤولين في الخارجية البريطانية، ودار الحديث عن لقاء الجمعيات المعارضة بولي العهد ضمن تهيئة الأجواء للحوار وتسوية سياسية حقيقية في البحرين».
إذاً من الذي لا يمتلك صلاحية إدارة الحوار؟ أليس من خرج من جلسة الحوار يلتمس الموافقة ويتلقى التوجيهات ويستمع إلى التوصيات؟ والتي جاءت في النهاية مزيدا من الإصرار على المطالب نفسها بتغيير الحكومة وإطلاق سراح قادة الإرهاب وتعديل الدوائر الانتخابية، لذلك فمن الطبيعي ألا يكون هناك بعد هذه الاستجابة أي حوار، ولا يمكن للدولة أن تجلس مع جماعة تفرض إرادتها على الدولة والشعب، ثم تطلب من الجميع الامتثال، وكأن الدولة أصبحت بعضاً من الجماعة، وأصبحت الجماعة هي والدولة والشعب، ولم تتوقف هذه الجماعة عند الامتثال لشروطها بل حتى تعيين الحكومة، حيث تكون في يد هذه الجماعة الممانعة وعدم الممانعة لتصل بأن تكون هي صاحبة الفضل في تعيين كبار المناصب، وليس وحده فقط بل بمشاركة، على حد زعمهم، أشخاص وطنيين.
هذا هو ابتغاء الفتنة؛ إنهم أهل الزيغ والرويبضة، وهذا توصيف قليل عليهم بعد أن تطاولوا على الدولة والحكم، بعد أن أكرمتهم الدولة.
هم لم يكتفوا اليوم بما قدمت لهم الدولة بعد مؤامرتهم الانقلابية، وها هو خليل مرزوق لا يزال يطالب بتنفيذ توصيات بسيوني، رغم أن الدولة نفذت هذه التوصيات وزادت عليها، فهم لا يستجيبوا إلى أي دعوة للحوار، بل يقابلون كل دعوة بالالتفاف، وها هم اليوم يلتفون على دعوات الحوار بحجج واهية و زعم كاذب، فلا يمكن أن تنفذ جميع مطالب الوفاق قبل بدء الحوار، فماذا بقي إذاً للحوار إلا الممانعة وعدم ممانعة الوفاق على من يكون في الحكومة.
إنها الوفاق التي لا تملك ولن تملك أبداً صلاحية الدخول في الحوار، لأن قرارها بيد طهران، وذلك حسب عقيدة الوفاق الدينية والسياسية التي مصدرها مرجعية السيستاني في العراق وخامنئي في إيران، لذلك فمن الطبيعي ألا تقبل الدولة أن تشترك في نفس المرجعية التي تخرجها من خليجها ومن عروبتها لتتحول من دولة مستقلة ذات سيادة إلى محافظة تحمل رقم 14، وهو حلم الوفاق الذي لن يتحقق أبداً ما دامت الخلافة الخليفية على رأسها جلالة الملك وسمو رئيس الوزراء وسمو ولي العهد.