وزير الدولة للشؤون الخارجية بدولة الإمارات العربية المتحدة، الدكتور أنور قرقاش، نقش في حسابه على التويتر السؤال التالي: «هل نستطيع أن نضع السياسة والأيديولوجيا جانباً، ربما لعامين أو ثلاثة ونستبدلهما بالعلم والتكنولوجيا، ونقيس بعد تلك المدة حالنا؟»، سؤال عاقل لا يأخذ به المهووسون بالسياسة الذين يعتقدون أنهم بانغماسهم في السياسة والأيديولوجيا يستطيعون أن يعينوا التنمية على النمو!
هنا مثال؛ أحدهم نقل خبراً من «رويترز» ونشره على شكل تغريدة، ملخص الخبر أن أحد البنوك المحلية انخفضت أرباحه في الربع الأول من هذا العام بأكثر من 50% مقارنة بأرباحه في العام الماضي. ولأنك تعرف توجهات ناقل الخبر وطريقة نقله لذا تشم فيه رائحة الشماتة وتشعر أنه كتبه وهو ممتلئ فرحاً، فمثل هذا الخبر يطربه ويشجيه، حيث خسارة البنوك تشفي غليله وغليل من يشاركه فكره وتوجهاته وأهدافه، والتي من الواضح أنها لا تتحقق إلا بانتكاسة تصيب الاقتصاد الوطني.
هذا مثال عن فعل السياسة الذي لا يورث الخير، وهو الذي يقصده الوزير الإماراتي الذي يدعو إلى ركن السياسة جانباً والتفرغ للعلم والتكنولوجيا كي نقدم ما ينفعنا وينفع وطننا.
هذا لا يعني التوقف تماماً عن العمل في السياسة والإيمان بالأفكار والمبادئ، ولكن يعني الدخول في اختبار ومعاينة النتيجة، ويعني عدم الانشغال بهذه الأمور إلى الحد الذي لو فاضلنا بينها وبين مصلحة وطننا آثرناها واعتبرنا ذلك انتصاراً. لا بأس أن يكون لنا فكرنا وتوجهنا ومواقفنا السياسية، ولا بأس أن نأمل بأن نرى ما نؤمن به من أفكار وأيديولوجيا وقد وجدت لها ترجمة على أرض الواقع، ولكن علينا ألا نعتبرها كل شيء وننشغل بها عن تنمية وطننا وبناء مستقبلنا.
هنا مثال مختلف؛ فمقابل أولئك المهووسين بالسياسة والذين يعتبرون تأثر الاقتصاد الوطني سلباً باعثاً على الفخر، مقابلهم يمكن مشاهدة اثنين من الشباب البحريني الذي آثر أن يرد على هؤلاء بالعمل، ففي موقف السيارات بأحد المجمعات التجارية يتواجد باستمرار قرويان يقضيان يومهما في غسيل السيارات ليكسبا قوتهما ويوفرا ما يتمكنان به من إعاشة أسرتيهما من دون أن يتأففا. كل ما فعله هذان الشابان هو أنهما اتخذا قراراً بالابتعاد عن كل ما يعيقهما عن بناء مستقبلهما، فلا تجدهما في أي فعالية من نواتج الانشغال بالسياسة والاشتغال بها، والتي يعرفان تمام المعرفة أنها عديمة القيمة.
وهنا مثال ثالث؛ فقد وجه «سياسيون» انتقادات لاذعة لمؤتمر الحضارات الذي عقد في المنامة على مدى ثلاثة أيام، وطرحت خلاله الكثير من البحوث والأفكار الإنسانية الجميلة واختتم أعماله أمس، لكن هؤلاء السياسيين اكتفوا بذلك واعتبروا أنهم قد «قاموا بالواجب»، حيث قالوا من بين ما قالوه، إنه كان الأولى أن تفعل الدولة كذا وكذا بدل أن تعقد هذا المؤتمر، وضمنوا قولهم اتهامات لها باستغلال هذه الفعالية لخدمة أغراضها وتوجهاتها!
كان الأجدى بهؤلاء الذين تكلفوا مشقة توجيه الانتقادات أن يشاركوا في المؤتمر وأن يقدموا ما لديهم من أفكار ومشاريع تصب في مصلحتهم هم قبل غيرهم، وتسهم ولو بالقليل في خدمة المواطنين الذين يرفعون لواء الدفاع عنهم وعن مصالحهم. ما قام به هؤلاء لا يختلف أبداً عما قام به ذلك السياسي الذي أعاد نشر خبر «رويترز» عن تراجع أرباح البنك، فكل فعلهم سالب، والسلبي لا يبني وطناً ولا يستطيع أن يشارك في فعل التنمية والمستقبل.
تغريدة الوزير الإماراتي تستحق من «السياسيين» وأصحاب الأيديولوجيا صرف جزء من وقتهم «الثمين» في دراستها، أما إن أخذوا بها فسيكتشفون بعد قليل أنهم كانوا قد أفنوا عمرهم فيما لم يكن نافعاً.