لم يعد على الدول العربية المستقرة وغير المستقرة أن تأخذ بنظر الاعتبار المصالـــح الأمريكيـــة فـــي حساباتهـــا السياسية وحسب؛ بل أصبح عليها أن تراعي مصالح إيران معها، وليت هذا كافٍ.
تمر المنطقة العربية والشرق عموماً بمرحلة تحولات استراتيجية عميقة بعد انهيار دول الثقل في المنطقة، فهذا العراق بوابة الوطن العربي الشرقية دمر ولم يبق لترسانته العسكرية وجود، وسوريا تمزقت وانهار جيشها، وتلاشى دور مصر وانشغل اليمن بحروب داخلية، وليبيا مقبلة على المجهول، واندلعت ثورات في دول، بينما نشطت غوغاء وعصابات في أخرى، والمسلمون يشهدون عمليات إبادة وتقتيل ليل نهار وبأبشع الطرق وأشدها إرهاباً يرافق ذلك عمليات الهجرة والتهجير لأبناء دول المنطقة.
كل هذه الأحداث ستعيد صياغة الوضع الجغرافي والسياسي والاقتصادي للشرق من جديد، فقد تتلاشى دول مثل العراق وسوريا وليبيا واليمن وتحل محلها مجموعة دول جديدة بولاءات وانتماءات جديدة، هذه التحولات المرتقبة لا تقل شأناً عن تلك التحولات التي أعقبت الحرب العالمية الأولى والتي شهدت إراقة دماء الملايين وتغييراً على المستوى الجغرافي والسياسي، فانهارت إمبراطوريات مثل روسيا القيصرية، والعثمانية وغيرها، وحلت محلها جهوريات مثل الاتحاد السوفيتي وتركيا، كما ظهرت دول جديدة مثل بولونيا، واندلعت ثورات في أوروبا بعدما أنهكتها الحروب، تحولات اليوم الخاسر الأكبر فيها العرب والرابح فيها من يصنع التحول.
تغييرات الشرق هذه تصنع بيد إيران وتركيا وإسرائيل، فهؤلاء هم اللاعبون الأساسيون فيها، أما العرب فلا دور لهم وموقفهم الأضعف، مع أن التحولات تطالهم بالجوانب كافة، وإذا كانت السياسية العربية سابقاً ترسم مع أخذ مصالح أمريكا بعين الاعتبار، فإنها اليوم ترسم مع الأخذ بعين الاعتبار مصالح أمريكا وإيران مجتمعين، وليس هذا كافياً فإيران لا يمكن أن تكون عنصر سلام واستقرار في المنطقة يوماً ما، ولن ترضى بغير إذلال العرب واستعبادهم، ولن ترضى أن تكون لهم سياسة مستقلة حتى لو راعت مصالحها، فعينها على تبعيتهم لها كما كانت أيام كسرى ودولة المناذرة، وهذه نتيجة طبيعية لمن يعمل ويخطط، لأن إيران لم تصل لهذا الوضع إلا بعد سنين من التخطيط ووضع استراتيجيات هائلة، بعكس العرب الذين اعتمدوا على سياسية الدفاع ورد الفعل، لكن وبعد كل ما حل بالعرب لا يوجد اليوم دولة مؤهلة لقيادة الصراع غير المملكة العربية السعودية وستكون وحدها في المواجهة، ولن ينفع العرب في هذا التحولات لا دول الشرق ولا دول الغرب بقدر ما سيقدمه أبناء الدول العربية إذا ما اعتمد عليهم في هذا الصراع.
تعقد وضع هذا الصراع كثيراً بعد المجازر الجماعية والإبادة البشرية الحاصلة اليوم في العراق وسوريا، والسكوت عنها وعدم إيقافها لن يوقف المواجهة الحتمية للصراع، وإن أخرها قليلاً فسيضعف الطرف العربي كثيراً ووقتها سنقول أكلنا يوم أكل الثور الأبيض.