صحيح أن مبادرة الشرق الأوسط «ميبي» مبادرة معلنة غير سرية أطلقتها الولايات المتحدة الأمريكية على أساس أن أهدافها هي «دعم الديمقراطية» في منطقة الشرق الأوسط، لكن موقعاً لمجموعة استشارية «ام ايي بي» وهي مجموعة مقرها في واشنطن ودبي حصل على وثيقة أصدرتها الخارجية الأمريكية ونشرتها أمس الأول على موقعها توضح التفاصيل «السرية» لهذه المبادرة والتي وافق عليها أوباما في أكتوبر 2010 أي قبل أحداث البحرين بأربعة أشهر، والتي تهدف إلى تغيير الأنظمة في هذه المنطقة عبر التحالف مع الجماعات الإسلامية تحت مسمى «نظرة عامة على مبادرة الشرق الأوسط».
أخطر ما جاء في الوثيقة ما جاء تحت عنوان «كيف تعمل مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط» إذ تؤكد الوثيقة أن تلك المبادرة أطلقت يد البعثات الدبلوماسية الأمريكية في دول الشرق الأوسط للاتصال المباشر مع الجماعات الإسلامية دون الرجوع للحكومات، بل منحت ضابط الاتصال في السفارات الأمريكية المكلف بتنفيذ هذه المبادرة في الدول المستهدفة أولوية القرار على غيره من موظفي السفارة، ومنحته صلاحية نقل الأموال مباشرة إلى تلك الجماعات، وهذا أخطر ما في الوثيقة، ولم تبين الوثيقة آلية نقل الأموال!
أما الدول المستهدفة فهي الدول التي مرت عليها سموم الخريف العربي، وتشير الوثيقة إلى تكليف ضباط الاتصال في السفارات الأمريكية والمكلفين بعمل شبكة اتصال تربط هذه الجماعات بعضها ببعض بين الدول العربية للتنسيق والعمل المشترك، فما أن تهطل الأمطار في اليمن إلا وتجد الجماعات المتعاونة في مصر ترفع المظلات وهكذا.
وتعتمد «اللعبة» على مأسسة جماعة الإسلام السياسي تحت مسميات مؤسسات مدنية، كمظلة تجيز لضباط الاتصال الأمريكي التواصل معها بحجة دعم المجتمع «المدني»!!
أما خلاصة هذه الوثيقة فهي توضح وبالنص وبلا مواربة بأن أهداف المبادرة تصب أولاً وأخيراً «لصالح السياسية الخارجية الأمريكية والأمن القومي الأمريكي.. أكرر الأمن القومي الأمريكي». «انتهى الاقتباس»
تفسر هذه الوثيقة أسباب تجاوز سفارات الولايات المتحدة الأمريكية في أحيان كثيرة الأعراف الدبلوماسية ودعمها وبشدة وبحماس بل وبصفاقة «جماعات الإسلام السياسي» ودعم محاولتها بالانقلاب على الدساتير التي حدثت منذ 2010 إلى اليوم، وتغاضيها عن الوسائل العنيفة التي استخدمتها تلك الجماعات وإرهابها، فالتعليمات كانت واضحة بتجاوز الحكومات والتمويل المباشر وتقديم الدعم وتقديره حسب كل دولة.
تفسر الوثيقة أن أحد أهم أسباب التجاوزات التي حدثت من قبل أعضاء من السفارات الأمريكية أثناء «الثورات» والتي تجاوزت الخطوط والأعراف الدبلوماسية الحمراء كما حدث في البحرين ومصر كانت بسبب الصلاحيات الممنوحة لضابط الاتصال الأمريكي، بحيث كانت البعثات الأمريكية تتصل مباشرة مع «الثوار» كما حدث أثناء الدوار في البحرين والتحرير في مصر، وكانت السفارة تضغط وبشدة على الأنظمة تمهيداً لسقوطها ولفرض تلك الجماعات على المجتمعات أكثر مما تفرضها على الأنظمة، لذا كان رد فعل المجتمع المصري والبحريني يطالب بطرد السفراء لتجاوزهم الإرادة الشعبية أكثر من تجاوزهم الأعراف الدبلوماسية.
أما أقبح وأخس وأنذل ما تبينه هذه الوثيقة بأن جماعات الإسلام السياسي التي تستظل بالشعار «الإسلامي» أجازت لنفسها التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية في ما يحقق أولاً الأمن القومي الأمريكي، وقبلت بتسلم الأموال منها، تحت مظلات دعم الديمقراطية، دعم المجتمع المدني، دعم الشفافية، دعم العمال، دعم ودعم ودعم.. وكانت ميزانية «الميبي» كنزاً تغرف منه تلك الجماعات، ميزانية يمولها دافع الضرائب الأمريكي من جيبه وربما دون علمه، وزاد حجم التمويلات عن مئات الملايين إن لم يصل للمليارات، وتسببت بحدوث الاضطرابات والفوضى والدمار في الأوطان العربية وأفقدت الشعوب الأمن والأمان وتبنت تلك الجماعات العنف والإرهاب وساعدهم في كل دولة شرق أوسطية ضابط اتصال في السفارة الأمريكية!
صحيح أن البحرين تصدت لهذه الخيانة الوطنية مثلما فعلت مصر، إنما مصر واجهتها باسمها وجهاً لوجه وسمتها كما هي «خيانة وطنية» دون مواربة ودونما حسبان لضابط الاتصال الأمريكي أو رئيسه، واتخذت إجراءات صارمة لا تردد فيها ولا تذبذب في القرارات وأغلقت الباب على أي تدخل أمريكي، فأجبرت الولايات المتحدة الأمريكية على الرضوخ وأجبرتها على احترامها، ورفضت الحوار مع تلك الجماعة وفرضت مشروعها الوطني، وصنفتهم «خونة» بصريح العبارة، ولا تفاوض معهم والشعب المصري أعلن عدم رغبته في التوافق معهم، في حين أن البحرين مازالت تفتح الباب لهم مترددة في اتخاذ قرارها.