بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر الدموية التي أصابت الولايات المتحدة الأمريكية في مقتل، ومنذ ذلك الحين وواشنطن تنقل معركتها من جهة الغرب إلى حيث المشرق المستقر، ومن بعد ذلك اليوم لم يرَ الشرق أي استقرار حتى هذه اللحظة.
جثث مرمية في مطار كراتشي جراء عمليات عسكرية إرهابية، وأجساد أطفال مسجاة في مدارس كابول، وسحل وقتل وقطع للرؤوس والأطراف في كل من بغداد وبقية العواصم العربية، هذه وغيرها من المشاهد المرعبة التي تخرجنا من أجواء الإنسانية إلى حيث أجواء الوحشية والحيوانية، اعتدنا مشاهدتها كل لحظة في نشرات الأخبار وعلى واجهات الصحف العربية.
من ذلك التاريخ الذي ضربت فيه الهيبة الأمريكية، أقسمت الأخيرة على نفسها أن تنقل معركتها ضد كل استقرار في الشرق، سواء كانت تلك المعركة ضد الشعوب أو الحكومات العربية، وكأنه انتقام من كل فرد يعيش في الوطنين «العربي والإسلامي»، فضيقت الخناق حينها على العرب والمسلمين من المهاجرين نحو الغرب وتفننت في إيذائهم، وحين لم تكتفِ بهذه العذابات جاءت بأساطيلها تحت ذريعة ضرب الإرهاب لتضرب بها أوطاننا، وبعد كل تلك الانتهاكات التي مارستها ضدنا، ها هي اليوم تطرح مشروع «الربيع العربي الأمريكي» لبسط نفوذها المطلق في الشرق الأوسط، والذي يعتبر مقدمة طبيعية ومنطقية وسلسة لتقسيمه تحت مسمى «الشرق الأوسط الجديد».
هذه هي عقلية الاستعمار والمستعمر منذ وعد بلفور المشؤوم، وبالتزامن مع معاهدة سايكس بيكو وحتى يومنا هذا، عقلية أنانية ووحشية لم ولن تتغير، ومن يعول من العرب على ربيعهم أو خريفهم أو على كل منتجاتهم السياسية فهو إما مغفل أو عميل، فالعربي الذي ذاق من ويلات الغرب ما ذاق «الفلسطيني مثالاً»، لا يمكن أن يصدقه مهما قال أو فعل، فالتجربة الفلسطينية ورمي أحبتنا في فلسطين خارج ديارهم منذ نحو مائة عام وحتى يومنا هذا، ما هو إلا دليل على تمسك الغرب بمنهجيته العدائية تجاه العرب، وهي العنصرية التي لم يستطع الغرب السياسي والإداري حتى الآن أن يتحرر منها، لأنها جزء من وحشيته وطمعه وهيمنته وغطرسته.
نحن على يقين تام أن ما يجري من فوضى وعبثية في هذه المنطقة هو بسبب الإدارة الغربية التي مازالت تتمسك بحماية الغرب، حتى لو كان على حساب الشرق، فدعمت حكومات ديكتاتورية في دول لها فيها من المصالح الكثير الكثير، وحاربت أخرى في دول لا تعترف حتى بسيادتها، كما إنها باركت وساندت جماعات إرهابية في مناطق من الوطن العربي، وقصفتهم بطائراتها في مناطق أخرى، كما إنها ضغطت على شعوب بعينها، وأعطت الفرصة لشعوب أخرى، وبهذا يكون من الصعب «عنونة» هذا السلوك السياسي المنحرف بأي عنوان سوى عنوان «لا شيء يعلو على مصلحة الغرب».
يجب على الشعوب العربية والإسلامية اليوم أن تنتبه من غفلتها، وأن تدرك جيداً أن ما يحدث من انهيار للمنظومات العربية الرسمية وغير الرسمية، هو عبارة عن مخططات جهنمية خطيرة تستهدف وجودنا وكياناتنا ووحدتنا وأمننا وثرواتنا، ومن هذا المنطلق يجب على العرب أن يفوتوا الفرصة على الإدارات الغربية بوحدتهم وبكشف مؤامراتهم، حتى لا تتكرر فلسطين في كل قطر عربي، فحين تنهار دولة أو أكثر فاعلموا أن الوطن العربي سيتحول إلى مقبرة كبيرة من مقابر التاريخ تحوي جثثنا وأفكارنا وذلنا وهواننا، وهذا ما لا يجب أن يتكرر مرة أخرى أو أن يكون، فهل فينا رجل رشيد؟