فقط رأي وفكرة، يمكن أن يأخذها في الاعتبار من يعنيه الأمر، وممكن أن يتجاهلها ويضربها في الحائط من لم تقنعه، ففي النهاية الناس قناعات ومن حقهم الاقتناع أو الامتناع، حتى إن كان امتناعاً عن كلام العقل والمنطق، فكل لديه قياسه.
عموماً، الفكرة تتعلق بمن حكم عليهم أن يكونوا أتباعاً لجمعية الوفاق، وبات الحديث عنهم بتندر واستهزاء من قبل كثير من المكونات، حتى من بين أنصار الوفاق أنفسهم والذين يعرفون أن تلك الجمعيات «أتباع» بالتالي لا يحق لهم أن ينطقوا أو يتصرفوا بعكس ما تريده الوفاق.
هذه الجمعيات المتخندقة مع جمعية «الولي الفقيه» لا يجمعها معها إلا قاسم واحد مشترك، هو «مناهضة الدولة» ولا شيء آخر.
نعم، لا شيء آخر، لا يجمعها مذهب ديني، ولا قناعات مشتركة، ولا أفكار متوافقة، لا شيء، فقط الرغبة في إسقاط النظام «الذي حولوه لاحقاً لإصلاحه» وتقاسم غنيمة السلطة في البلد.
المشكلة أن هناك من لا تعلمه الدروس، ومهما توجه له الضربات لا يعتبر. للأسف فهذه الجمعيات لم تقف معها الوفاق مثلما هي وقفت مع جمعية الولي الفقيه. الأكثر قرباً «وعد» انكوت بنارها الصديقة مرتين وبشكل مؤلم! وإن كان بعض الوعديين يقولون بأن مرشحيهم في الانتخابات أسقطتهم الدولة، فعليهم أن يضيفوا في الادعاء هذا جزئية تمنح الوفاق جزءاً من المسؤولية أيضاً في فشل مرشحيهم حينها لم تتنازل لهم عن ولا دائرة واحدة مضمونة، لكنها منحت واحدة على «طبق من ذهب» لعبدالعزيز أبل، ثم هاجمته لاحقاً! طيب ماذا عن «وعد» يا وفاق؟!
حتى الجمعيات الليبرالية «المفترض» الأخرى، ألم يتم التحشيد الوفاقي ضد مرشحيها، ألم يتم ترهيب الناس في التصويت؟! كل هذا حصل وتحدث به رؤساء هذه الجمعيات حينما تعرضوا للاستهداف وكانوا في مرمى نار الوفاق فقط لأنهم نافسوا مرشحيهم في الدائرة. لكنهم عادوا ليتبعوها في «مقامرة» أحداث 2011، إذ ربما يسقط النظام، حينها لا يجب ترك الوفاق وحدها «تخيط وتبيط» وتأخذ «كل الكعكة»!
لكن الآن وبعد ثلاث سنوات، واتضاح الصورة لمن يريد أن يرى بعين مجردة ويضع تعصبه الحزبي والمذهبي «على الصامت»، يتضح تماماً بأن خطة الاستيلاء على الدولة لن تحصل، حتى والدولة تعج فيها أخطاء كثيرة على صعيد الحراك المجتمعي والتنمية والتطوير وتحسين أوضاع الناس ومحاربة الفساد، حتى رغم هذه الأمور المؤسفة، فإن تغيير شكل البحرين بأسلوب «انقلابي قسري» لن يحصل، بل هو من سابع المستحيلات، بالتالي ما تسعى له الوفاق «والجمعيات التي تتبعها تعرف ذلك تماماً» ما تسعى له جمعية الولي الفقيه هو الخروج بمكسب وإن كان حتى لا يواكب طموحها، أقلها ليكون مسوغاً لها لدخول الانتخابات، وهي التي تكابر ظاهرياً وإعلامياً بالقول إنها «لن تشارك»، لكنها في الزحف إلى الدواوين وفي مناقشات الحوار لا تتردد في الكشف عن رغبتها في «المشاركة بالانتخابات».
الآن هي فرصة هذه الجمعيات الليبرالية وعلى رأسها «وعد» بأن تفك ارتباطها غير المتكافئ مع الوفاق، أقلها إن كانت تريد أن تثبت بأن حراكها -أي هذه الجمعيات- ليس طائفياً ولا تحركه تأثيرات خارجية، وأنها صادقة فيما تدعيه بشأن الإصلاحات المجتمعية وغيرها من الشعارات التي لا علاقة بها بالاستحواذ على السلطة وسلخ شكل البلد والإطاحة بنظامه، باعتبار أن هذه الشعارات الأخيرة أيضاً وجدت، وتتحمل هذه الجمعيات وزرها ووزر موافقة الوفاق عليها.
لكن وكما يتضح من تعاطي الدولة «وهو ما نختلف معها فيه كثيراً، باعتبار أنك لا تمنح من ضربك في الظهر مرات فرصاً ليعاود الضرب، بل تطبق عليه القانون بلا تهاون» لكن نقول بأن التعاطي وكأنما يريد منح بعض الجمعيات التي ستحكم عقلها فرصة لتقييم ما فعلته ولدراسة ما يمكن لها أن تحققه إن أبدلت سياستها الاستعدائية للدولة بسياسة مشاركة مع قوى المجتمع بغض النظر عن تباين الآراء، لكن في نهايتها تخدم صالح البلد.
هذا الحديث الذي نكتبه هنا، لا يعبر عن رأي كاتب فقط، بقدر ما هو يعبر عن آراء كثير من الشخصيات المحسوبة على هذه الجمعيات الليبرالية، لكن للأسف كثير منهم آثر الصمت وترك الحال كما هو عليه، يرى جمعيته تسير كالجارية وراء الوفاق، يستاء ويمتعض لكن داخل نفسه، فهو يعرف في النهاية أن المستفيد الأول والأخير في حال أي تفاهم مع الدولة هي الوفاق، وحينها الجواري سيظلون جواري.
المواقف تحتاج لقرارات حاسمة، والقرارات الحاسمة تحتاج لشخصيات شجاعة. فهل لديكم شخصيات شجاعة تقول للوفاق كفى، ويكفي تضييعاً لتاريخ الحراك الليبرالي، أم فقط سيتم الاكتفاء -كالعادة- بالتباكي على فقد المناضل عبدالرحمن النعيمي رحمه الله وغفر له؟!