طبعاً أجواء رمضان لا تحتاج إلى تعريف، والمفاهيم الخاطئة فيها السائدة بالتأكيد، فمن مزاجه سيء ومن «يتنرفز» على أتفه الأشياء، ومن إنتاجيته بالناقص وأخلاقه في «الدرك الأسفل» هؤلاء هم الصائمون «أثابهم الله».
في المقابل من تراه بشوشاً سمحاً نشيطاً في العمل، يتحرك بفاعلية وينتج، هذا على الفور يقول له الناس «عساك مو فاطر بس» أو «متأكد أنت صايم»؟!
لا أظن أننا بحاجة لشرح هنا، فالمقارنة لوحدها شيء مؤسف، ونظرة الناس للشخص الصائم تحتاج بحد ذاتها إلى تحليل وتشخيص، كونها تكشف إما حالات مرضية بالجملة، أم سيادة مفهوم خاطئ ونظرة ساذجة.
أولاً من قال بأن الصائم لابد وأن يكون عديم الأخلاق، حاله كحال «الكرسي» أو أسوأ في العمل، سلوكياته منحطة، وأعصابه في أنفه الذي يحوله لمنخار تنين ينفث منه النار؟!
مشكلتنا في المجتمعات العربية بأن الغالبية يعتبرون الصيام ضيفاً ثقيلاً عليهم، يرونه شيئاً يغير في سلوكيات الشخص إلى الأسوأ. وكم منا من قال في لحظة انفعال في نهار رمضان الجملة الشهيرة «وخرعني، تره صايم؟!»
مصيبة حينما نقدم أحد أهم أركان الإسلام بهذه الصورة السلبية. في المحاكم بعض المجرمين يتم تبرئتهم بعد معاينة طبية أو تشخيص للطب النفسي، حيث يعتبر في النهاية مريضاً يحتاج إلى علاج ومساعدة، وأنه ارتكب الجريمة أو الجنحة تحت تأثير غير طبيعي. لكن حينما نضع الصائم في نفس المرتبة، أي باعتبار أنه صائم فإنه يمكن له أن يفعل ما يشاء، فهنا نظلم الصيام الذي يفترض أن يكون تهذيباً للنفس وترقية للأخلاق إضافة لكونه إحساساً بمعاناة الفقراء والجياع الذين بالكاد يحصلون على لقمة عيشهم.
شخصياً جربتها خلال أول يومين في رمضان، بأن أمارس حياتي بشكل عادي، سواء في العمل مع الزملاء أو مع أفراد العائلة، نفس أسلوب الكلام، ونفس أسلوب الحياة، ونفس الممارسات اليومية. التعليقات جاءت أكثر من الزملاء –باعتبار أن الفرد معروف أطباعه في بيته وعائلته وتكون بشكل أوضح- وأغلب التعليقات كانت ضمن نفس السياق أعلاه، أي «احنه صيام»، «ماشاء الله ولا كأنك صائم» .. إلى غيرها من تعليقات تجعلك تكتشف بأن هذا «الصيام» هو مصدر تعب وتعاسة الكثيرين والذين –للمفارقة- يباركون لمن يعرفون ومن لا يعرفون بحلول رمضان عليه وهو شهر «الصيام» نفسه، الذي بسببه تتغير سلوكياتهم إلى الأسوأ!
فقط أريد إيصال الفكرة هنا بشكل مبسط جداً، وتلخيصها يكمن في أننا نمارس أبشع أنواع الإساءة بحق فريضة الصيام وبحق شهر رمضان، لدرجة أن كثيراً من الشعوب الغربية باتت تعتبر رمضان الشهر الذي لا يفعل فيه المسلمون شيئاً، لأن أخلاقهم تسوء بسبب العطش والجوع! بالتالي،
أهكذا يسعدنا أن نرى آراء الآخرين في شهرنا الكريم، فقط لأننا نحن من نشوه روحانيته وصورته بأخلاقنا وسلوكياتنا؟!
الصيام يفترض بأنه تهذيب للنفس والأخلاق، فليست المسألة تكمن في الامتناع عن الطعام والشراب والتدخين، بل هي أبعد من ذلك بكثير. ومن لا تقل مساوؤه وتصرفاته الخاطئة خلال رمضان، فهذا لا يكون له نصيب من صومه إلا الجوع والعطش كما أخبر رسولنا صلوات الله عليه.