المذكرة التي رفعها وزير الأشغال لمجلس الوزراء وتضمنت ترسية مناقصات 21 مشروعاً بكلفة إجمالية قدرها 12 مليون دينار خلال الأشهر الـ3 الماضية إضافة إلى طرح مناقصات 18 مشروعاً بكلفة تقديرية قدرها 45 مليون دينار خلال الربع الأول من العام الجاري. هذه المشروعات شملت تطوير وتوسعة شوارع وتقاطعات وإنجاز بعض مشروعات الصرف الصحي وبناء مدارس ابتدائية وإعدادية، وهي على أهميتها فإنها لا تغطي إلا الجزء اليسير من المشروعات والاحتياجات المالية للبنية التحتية، وإنها بحاجة إلى المزيد والمزيد منها لتغطية هذه الاحتياجات، ولمواجهة الكثير من التحديات التي تواجه التنمية في البلاد.
من أبرز هذه التحديات وأكثرها إلحاحاً تحدي الزيادة السكانية، وهي بالنسبة لنا في البحرين زيادة مزدوجة، فالدول الأخرى تتحدث دائماً عن زيادة أعداد مواطنيها عن طريق قياس نسبة الخصوبة، وبالتحديد معرفة زيادة السكان المواطنين من خلال أعداد المواليد، وبهذا القياس فهذه النسبة تصل إلى 3% وهي نسبة عالية مقارنة بالدول الأخرى الأكثر تقدماً.
لكننا في البحرين نضيف إلى زيادة عدد السكان المواطنين زيادة أخرى تسير معها في خط متوازٍ وهي الزيادة في أعداد السكان الوافدين، والذين يعتبر الكثير منهم من المقيمين وأحياناً الحاصلين على الجنسية، وفي كل الأحوال فإن نسبة زيادة هؤلاء الوافدين فاقت زيادة نسبة زيادة السكان المواطنين والمولودين في البحرين، وبالنتيجة فإن عدد سكان البحرين سجل قفزات سريعة حتى وصل إلى ما هو أكثر من مليون و200 ألف شخص أكثر من نصفهم من الوافدين.
هذا العدد الكبير المقيم على أرض البحرين الصغيرة، وبالموارد والإمكانيات المحدودة يشكل عوامل ضغط كبيرة على الاقتصاد بكافة قطاعاته، وكذلك على الخدمات الاجتماعية والصحية وعلى مستوى ومتطلبات المعيشة، وعلى عدد من السلع الأساسية المدعومة، وعلى البنية التحتية المتمثلة في الطرق والمجاري والكهرباء والماء وغيرها.
التحدي الثاني الذي بدأنا نواجهه منذ سنوات دون أن نوليه الاهتمام الذي يستحقه هو تحدي زيادة السيارات أو المركبات بصورة مضطردة وسريعة قدرت بنسبة 8% سنوياً وبعدد 40 ألف سيارة حتى تجاوز عدد السيارات في البحرين اليوم 550 ألف سيارة وبمعدل سيارة لكل شخصين من السكان بمن فيهم الأطفال.
إن هذا التحدي كان يتطلب من المخططين لسياسات وبرامج التنمية أن يوجهوا جهودهم للعمل على إيجاد التوازن بين نسبة الزيادة في عدد السيارات ونسبة الزيادة في شق الطرق الجديدة وتوسعة وصيانة وتطوير الطرق القائمة، ومد الجسور والأنفاق وغيرها من الأساليب التي تؤدي إلى استيعاب تلك الزيادة، وتحقيق انسياب مروري مريح ومقلل للحوادث والمخالفات، وممكن لأفراد المجتمع الوصول إلى أماكنهم وأعمالهم في وقت مناسب، وبعد ذلك الحصول على مواقف لسياراتهم في مختلف المناطق بيسر وسهولة.
وإلى جانب ذلك مواصلة تطوير وسائل النقل العامة من حافلات وغيرها، والشوارع الخاصة التي يجب أن تسلكها هذه الوسائل حتى يمكن للراكب أن يثق بها وبأنها قادرة بالفعل على إيصاله إلى المكان الذي يريد في الوقت المحدد، وبالطريقة المريحة التي تجعله يستغني عن استخدام سيارته الخاصة وحتى شراء المزيد من السيارات لكل بيت كما هو حاصل اليوم.
إن عدم الاهتمام بتطوير النقل العام وجعله مماثلاً لما هو عليه في الدول المتقدمة، حيث الراحة والتحرك والوصول في الوقت، وعدم الاهتمام بتطوير الشوارع وتقسيمها بحيث تستوعب السيارات والدراجات وسيارات الإسعاف، وبحيث يصل الجميع إلى مبتغاه في الوقت المناسب والأقصر، كل ذلك قد زاد الأعباء على الدولة، وزاد من الضغوط على الإيرادات العامة، ومن مسؤولية الجهات المخططة والمطورة والمنفدة لمشروعات البنية التحتية.
إن متطلبات البنية التحتية بمجالاتها المختلفة هي كثيرة ومهولة، فصيانة وتطوير الشوارع قد تأخرت سنوات طويلة بحيث أصبحت هذه الصيانة متراكمة، وإذا أضفنا لذلك الحاجة لشق شوارع وطرقات جديدة، وتحديث الشوارع القائمة، ومثل هذه الحاجة هي في كل مناطق البحرين وبنسب مختلفة على رأسها مناطق حديثة مثل المنطقة الدبلوماسية ومنطقة السيف.
وإذا أضفنا لذلك الحاجة إلى توفير مواقف للسيارات في المناطق السكنية والتجارية، وفي المستشفيات مثل مستشفى السلمانية، ومثل منطقة المحرق التي تعاني من ضيق وقلة الشوارع ومن انعدام وجود مواقف السيارات، ومن وجود طريق اللؤلؤ الذي لايمكن لحافلات السواح اجتيازه ولا الوصول إلى نهايته!.
إذا أخذنا كل ذلك بعين الاعتبار فعلى الدولة أن تخصص معظم إيراداتها العامة للبنية التحتية، ولا تكتفي بمبلغ 12 مليون أو حتى 100 مليون دينار.