هي ظاهرة أصبحت مرتبطة بتعاقب الأجيال واختلافها وتصارعها أحياناً، فما كان يصنف سابقاً أنه تدنٍ في الذوق العام، يعتبر بعضه اليوم في قمة «الذرابة». فكم هي نسبتهم الذين يراعون ما يتفق عليه المجتمع من الحد الأدنى من الأخلاقيات العامة المكللة باللطف والتهذيب، كأن يقابلوننا بابتسامة وقورة، وأن يبادروا بالتحية اللطيفة وأن يفضلونا بالعبور قبلهم؟ كم نسبة المراهقين والشباب الذين يحرصون على استخدام الكلمات السحرية مثل؛ لو سمحت، من فضلك، حضرتك؟ كم نسبتهم الذين ينتقون ألفاظهم كما تنتقى أطايب الثمر؟ إن تدني تلك السلوكيات مؤشر واضح على تدني الذوق العام في مجتمعاتنا.
من أين يستمد المجتمع قواعد الذوق العام الخاصة به؟ هل ثمة نظريات تخص الذوق العام؟ وكيف نستطيع رسم إطار للذوق العام في كل مجتمع؟ أم أن الذوق العام مسألة مرتبطة بالعقل الجمعي البشري وتمتد جذوره إلى مشتركات الأديان والأعراف وعلم الأخلاق؟ سؤال يصعب الإجابة عنه في ظل عملية التغير الاجتماعي المستمر، وفي ظل استفحال هوس التحرر والليبرالية وطغيان البراغماتية على أنماط الحياة. فبعض المراهقين والشباب يرون أنهم غير ملزمين بكسب رضا الآخرين عن ملابسهم وطريقة حديثهم وأسلوب تعاملهم. وبعض الناس يرى أنه غير مضطر لمجاملة الآخرين وإطالة الوقت معهم فيما لا معنى له. وكثيرون يرون أن التعامل مع الآخرين يجب أن ينصب في الهدف والمقصد مباشرة وألا وقت لتبادل الكلمات الزائدة والنقاشات الجانبية.
كيف نربي الذوق العام ونعيده لواجهة الأخلاقيات الاجتماعية الراقية؟ هل نعلمه للأطفال في المدارس؟ ولم لا؟
في السابق كنا نتعلم بعض هذه الأمور في المدرسة باستراتيجيات تعليم مختلفة، بعضها ضمن منهاج التربية الأسرية أو التربية الاجتماعية أو التربية الوطنية، وبعضها ضمن القصص المفيدة التي كنا نقرؤها، وبعضها نستمدها من تمسك معلمينا بالذوق العام وحرصهم على محاسبتنا حين نقصر فيها، فكثيراً ما كانت تستوقفني معلماتي في المرحلة الابتدائية لتذكيري بأهمية إلقاء التحية عند دخول غرفة المعلمات وضرورة أن يكون طلبي مشفوعاً بلو سمحت وأن أختم بالشكر. كل ذلك كان يتم في مشهد تربوي خال من التقريع. وكان آباؤنا يحرصون على ألا نرفع أصواتنا في غير اللعب وألا نجلس مع الكبار أثناء المناقشات الخاصة، وأن نتعامل مع الكبار بتقاليد خاصة وراسخة لا تختلف عما يتعاملون بها. وكانوا يلزمونا بمواقيت نوم ثابتة وبمشاهدة برامج تلفزيونية محددة، ولذلك كان النسيج المشترك في الأجيال السابقة أكثر اتساقاً من حالة التفكك التي تشيع في منظومة السلوك الاجتماعي الحالي.
حين تقود سيارتك ويخترق الطريق المزدحم من يتجاوزك، فهذه قلة ذوق، حين يسير أمامك من يرمي علبة طعام أو منديل ورقي فهذه قلة ذوق، حين ترى فتاة أو شاباً بقصة شعر غريبة أو بملابس تعبر عن ثقافة مرفوضة فهذه قلة ذوق، حين تكون واقفاً في طابور للحصول على خدمة ما ويقف أمامك أحدهم دون اعتبار لانتظارك فتلك قلة ذوق، إنها أشياء صغيرة لكنها تحمل تأثيرات كبيرة في الراحة الاجتماعية وفي العلاقات العامة.
{{ article.visit_count }}
من أين يستمد المجتمع قواعد الذوق العام الخاصة به؟ هل ثمة نظريات تخص الذوق العام؟ وكيف نستطيع رسم إطار للذوق العام في كل مجتمع؟ أم أن الذوق العام مسألة مرتبطة بالعقل الجمعي البشري وتمتد جذوره إلى مشتركات الأديان والأعراف وعلم الأخلاق؟ سؤال يصعب الإجابة عنه في ظل عملية التغير الاجتماعي المستمر، وفي ظل استفحال هوس التحرر والليبرالية وطغيان البراغماتية على أنماط الحياة. فبعض المراهقين والشباب يرون أنهم غير ملزمين بكسب رضا الآخرين عن ملابسهم وطريقة حديثهم وأسلوب تعاملهم. وبعض الناس يرى أنه غير مضطر لمجاملة الآخرين وإطالة الوقت معهم فيما لا معنى له. وكثيرون يرون أن التعامل مع الآخرين يجب أن ينصب في الهدف والمقصد مباشرة وألا وقت لتبادل الكلمات الزائدة والنقاشات الجانبية.
كيف نربي الذوق العام ونعيده لواجهة الأخلاقيات الاجتماعية الراقية؟ هل نعلمه للأطفال في المدارس؟ ولم لا؟
في السابق كنا نتعلم بعض هذه الأمور في المدرسة باستراتيجيات تعليم مختلفة، بعضها ضمن منهاج التربية الأسرية أو التربية الاجتماعية أو التربية الوطنية، وبعضها ضمن القصص المفيدة التي كنا نقرؤها، وبعضها نستمدها من تمسك معلمينا بالذوق العام وحرصهم على محاسبتنا حين نقصر فيها، فكثيراً ما كانت تستوقفني معلماتي في المرحلة الابتدائية لتذكيري بأهمية إلقاء التحية عند دخول غرفة المعلمات وضرورة أن يكون طلبي مشفوعاً بلو سمحت وأن أختم بالشكر. كل ذلك كان يتم في مشهد تربوي خال من التقريع. وكان آباؤنا يحرصون على ألا نرفع أصواتنا في غير اللعب وألا نجلس مع الكبار أثناء المناقشات الخاصة، وأن نتعامل مع الكبار بتقاليد خاصة وراسخة لا تختلف عما يتعاملون بها. وكانوا يلزمونا بمواقيت نوم ثابتة وبمشاهدة برامج تلفزيونية محددة، ولذلك كان النسيج المشترك في الأجيال السابقة أكثر اتساقاً من حالة التفكك التي تشيع في منظومة السلوك الاجتماعي الحالي.
حين تقود سيارتك ويخترق الطريق المزدحم من يتجاوزك، فهذه قلة ذوق، حين يسير أمامك من يرمي علبة طعام أو منديل ورقي فهذه قلة ذوق، حين ترى فتاة أو شاباً بقصة شعر غريبة أو بملابس تعبر عن ثقافة مرفوضة فهذه قلة ذوق، حين تكون واقفاً في طابور للحصول على خدمة ما ويقف أمامك أحدهم دون اعتبار لانتظارك فتلك قلة ذوق، إنها أشياء صغيرة لكنها تحمل تأثيرات كبيرة في الراحة الاجتماعية وفي العلاقات العامة.