نقل عن مسؤول بحريني رفيع إبان محاولة الانقلاب على الشرعية في 2011 - وأرجو أن يكون ما نقل صحيحاً- أنه قال بما معناه: «إن أكبر شيء كان محرجاً للدولة البحرينية في ذلك الوقت وقبل أن يتم استخدام الإرهاب والاعتداءات الطائفية، هو أن من خرجوا في بداية الخروج لم يفعلوا أعمالاً إرهابية كبيرة، لكنهم حين فعلوا وقاموا بكل الأعمال المعروفة للجميع، كان ذلك إنقاذاً للقرار السياسي ومسوغاً له نحو التدخل لوقف الإرهاب»..!
أعود لأقول إنني أتمنى أني نقلت ما قيل لي بعد الأحداث -أي قبل ثلاثة أعوام- بشكل صحيح دون زيادة أو نقصان، وهذا يظهر أن من قاموا بأعمال إرهابية واحتلوا مدينة المنامة ودخلوا وزارات، واستباحوا حرمات مدن، واستخدموا الإرهاب في جامعة البحرين كانوا قد فعلوا ذلك بغباء كبير، ولو أنهم لم يفعلوه لكان الموقف السياسي في البحرين وخارجها مختلفاً.
مع عدم نسيان أن هناك أمراً آخر كان خطراً على الدولة؛ حين ترددت الدولة في اتخاذ موقف من احتلال الميادين وقطع الطرقات في العاصمة، وإقامة نقاط تفتيش من الإرهابيين بالمنامة، فقد كان ذلك يشكل خطراً على دولة صغيرة، حتى وإن لم يستخدم الإرهاب بشكل كبير، لكن هذا الأمر عطل الحياة في البحرين، وترك جماعة طائفية تحتل الميادين العامة وتقيم فيها وتقطع الطرقات، هذا كان خطأ كبيراً وكاد أن يكون مكلفاً بشكل كبير جداً.
الفرضية التي أطرحها هنا، ولا أجزم بصحتها، إنما هي فرضية قد تكون صائبة أو بعضها صائب أو تكون خاطئة.
الفرضية هي؛ هل قدم الإرهابيون (وهم باعتقادي حزمة واحدة حتى وإن تفرقت في عدة حزم صغيرة تتوزع الأدوار) أكبر هدية للدولة البحرينية حين أقدموا على أمرين اثنين:
الأول: هو أنهم قاموا بأعمال إرهابية وقتلوا وعطلوا الحياة، واستباحوا مناطق بعينها لإرهاب الدولة والمجتمع بضرورة التسليم بالانقلاب؟
الثاني: إن من خرجوا أخذتهم العزة بالإثم، وكان خروجهم طائفياً بامتياز، حتى وإن قاموا بوضع اسم أو اثنين من أهل السنة (.....) معهم، وبالتالي أصبح خروجهم أمام المجتمع الدولي ودول المنطقة هو خروج طائفي، وليس خروجاً شعبياً لكل أطياف المجتمع، هذا الأمر أيضاً قصم الظهر، حتى أن الأمريكان كانوا قد قالوا للمدعو علي سلمان ذلك صراحة ذات مرة، وحاول هو أن يستميل أطرافاً سنية بخطابات ممجوجة، لكنه فشل فشلاً كبيراً.
هذه النقطة الأخيرة قد كتبت عنها قبل الآن ذات مرة، أذهب اليوم إلى النقطة الأولى رغم أني أيضاً تطرقت إليها فيما سبق، لكني أكتب اليوم برؤية أخرى في ذات النقطة.
السؤال هنا؛ هل تلقت الدولة هدية الجماعات الإرهابية ببالغ السرور حين أخذوا يفعلون ما يفعلون من إرهاب، وبالتالي أصبح لدى الدولة كل المبررات والأسباب لاتخاذ إجراءات حازمة ضد الإرهابيين؟ وأيضاً كان هذا سبباً لإقناع المجتمع الدولي بموقف الدولة.
اليوم هناك من يطرح تصوراً معيناً، ربما يكون خاطئاً وربما فيه شيء من الصحة، وهو أن تأخر الحل في البحرين (رغم أني أرى أن قطع كل أيادي الإرهاب وتجفيف منابعه يأتي قبل أي حل) كان بسبب أن هناك طرفين يستفيدان من الأزمة، الوفاق وأتباعها؛ حيث انهالت عليهم أموال كثيرة من الدولة العظمى ومن دول المنطقة، وبالتالي أصبحت لديها مبالغ وسيولة كبيرة جراء الأزمة لم تكن تحلم بها، والدولة البحرينية لا تفعل شيئاً تجاه ذلك مع علمها به.
الطرف الآخر أيضاً كان الإرهاب أكبر الهدايا بالنسبة إليه، وكل عملية إرهابية تجعل المجتمع الدولي يتعاطف مع البحرين أكثر، بل وقد تغيرت الكثير من المواقف لدول مهمة بسبب غباء الإرهاب الذي تقبلته الدولة بقبول حسن.
استفادة الدولة لم تكن فقط سياسية، إنما هناك استفادة مادية من بعد موقف الأشقاء في الخليج، فالموضوع لا يتعلق بالبحرين في كيانها الصغير، إنما حين تذهب البحرين فإن هذا ينذر بذهاب آخرين، من هنا فإن هناك من ساند ووقف مع البحرين حباً في البحرين، وأيضاً من أجل أن لا تتساقط أحجار الدومينو.
من هنا يتضح أن هناك غباء كبيراً في استخدام جماعات خرجت إلى الشارع للإرهاب، وهذا كان أكبر المكاسب للدولة، في حين يرى من يستخدم الإرهاب أن أحد وسائل الضغط والإملاء على الدولة هو الإرهاب وقد حقق بالنسبة إليهم نجاحات في التسعينيات.
وإن الدولة تخضع من خلال الإرهاب في طاولة الحوار وتقدم تنازلات، وهذا يبين أن هناك حسابات كثيرة تتشكل عند الجماعات الإرهابية، لكنها مع كل هذه المكاسب التي يرونها، إنما هناك خسارات غير محسوبة لديهم، لكن بعضهم أدرك ذلك متأخراً.
إن كان هناك طرفان يستفيدان من الأزمة فإن هناك خسارات على المجتمع والمواطن، هو الذي يسدد الفواتير طوال أربعة أعوام، فلا أحد يقدم له الدعم من الخارج، ناهيك عن خسارات التجار الصغار، وخسارات المقاولين الصغار، وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، هؤلاء هم أكبر الخاسرين من إطالة أمد الأزمة.
كل ما سبق لا يعدو قراءات وتصورات وأفكاراً لا يمكن الجزم بها أو جعلها حقيقة مسلمة، لكن قراءة المشهد تحتاج إلى الابتعاد خطوات إلى الوراء عن موقعنا حتى تظهر لديك الصورة كاملة، من بعدها يمكن التحليل والقراءة بصورة أفضل.
في المحصلة فإن المجتمع البحريني بكل ما تعنيه كلمة المجتمع، كان هو الخاسر الأكبر، وهو الذي يحمل على ظهره كل الأحمال التي تجعله لا يرفع رأسه ويشاهد الأرض..!