جرت العادة أن نقول لضيوفنا الكرام «أهلاً وسهلاً» «نورتونا» «شرفتونا وسررنا بملقاكم وجلستكم الحلوة»، لكن عندما وصلت مملكة البحرين وبلكنة محرقاوية كان السلام له نكهته الخاصة وهو «حيا الله من يانا»، وإن كنت في البداية لا أفهم التعبير بشكله الصحيح، لأنه كما المتعارف في البحرين أن حرف «الجيم» يقلب إلى «ياء» في أغلب الأحيان. فهذا السلام اختصر كل عبارات الترحيب التي اعتدت على سماعها ويعني أن تلقى التحية والسلام والخير والبركة من الله عز وجل مباشرة، فهو حقيقة أكثر من مجرد تأهيل وتسهيل بل هو دعاء وتحية وإكرام ضيف. كيف «لا» فإنه سلام بحريني صادر من قلب هذا الشعب الطيب الذي عرف بكرمه وجوده كجود البحر. علماً أنه ليس فقط تجد الشعب البحريني شعباً كريماً ومضيافاً؛ إنما الشعب العربي بكل أطيافه يعتبر شعباً خيراً بدءاً من الكلمة الطيبة والملقى الجميل الذي يستقبلك به إلى الموائد التي تفرش في المناسبات العامة والخاصة، بالرغم من المعاناة المادية التي ممكن أن يعاني منها البعض، فإكرام الضيف واجب عهدناه وتربينا عليه، وإن كان للقاعدة استثناءات إلا أن هذا هو المشاع.
فإن كان هذا حالنا مع الضيف كريماً كان أو لئيماً، بعيداً أو قريباً، نراه كل يوم أو تفصلنا عنه مجموعة من السنوات. فكيف يفترض أن يكون حالنا مع ضيف عزيز، كريم سخي كله بركة وحسنات خفيف الظل حتى في أعسر أوقات النهار وأطولها حرارة، محمل بالهدايا والعطاءات من دون أن يسأل عن محصول كان أو رد جواب. كيف لا فهذا شهر الرحمن، الشهر الذي أنزل فيه القرآن على قلب خير البشر سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام.
لذا هل يعقل أن نستقبل هذا الضيف العزيز بكل مكنوناته كما يطلب منا العقلاء بقليل من الوجبات الخفيفة وحبة تمر وقليل من اللبن! فلابد أن نقيم الولائم ونكثر من الإسراف بما لذ وطاب من المأكولات ونضيع وقتنا بمشاهدة ما لا يطاق من المسلسلات والبرامج والمسابقات السخيفة التي تكثر في هذا الشهر المعطاء. وأن نشغل بالنا بالمجالس الرمضانية والتي ستنشط الآن مع قرب الانتخابات البرلمانية والبلدية. وننسى الناس التي هي بحاجة حقيقية إلى كل المعونات التي يجب أن نزودها بها كل أيام السنة، وليس فقط في هذا الشهر الفضيل.
ألا يكفينا نحن كعرب أن نستيقظ من الغفلة التي نعيشها ونصبح أناساً أكثر وعيً لأمور ديننا الحنيف ومستدركين أن مبادئ التكافل الاجتماعي لا تكون فقط شعاراً ألحس بها عقول الناخبين. مع عصر العولمة والتكنولوجيا الذي نعيشه أحن لأيام زمان عندما كانت مائدتهم تنعم فقط بقليل من الهريس مع كوب ماء، ولا ننسى التمر الذي هو ركيزة كل بيت عامر بالخير. وما يبقى من موائدهم لا يكون «زوادة» لسلات المهملات بل هو قوتهم لسحورهم أو يضيفونه على إفطار اليوم التالي. كانوا ينعمون بالصحة والبركة والسعادة، كيف لا؛ والجواب صراحة أنهم خرجوا من دائرة إخوان الشياطين ألا وهم المسرفون المبذرون. وكانوا لنعم الله من الحامدين الشاكرين والمشاركين. وإن كانت عادة المشاركة موجودة لدينا إلى الآن ولكن هل لاتزال بنفس الطعم والرائحة واللون.
وأكاد لا أصدق أنه من يومين استلمت دعوتين الأولى للغداء وأخرى للعشاء لتوديع شهر رمضان المبارك ودعوة إفطار لاستقبال الشهر الكريم. يعني يفترض منا أن نودع ونستقبل الشهر الفضيل بالمآدب والولائم. فالله يرحم أيام الأولين.
لن أختم مقالي ببيت شعر كما عهدتموني؛ بل بدعوة من قلب صادق بإذن الله مخلص لكم أمين أن يبلغني الله العلي القدير وإياكم فضائل الشهر الكريم وأن نكون لرب الكون من الشاكرين الحامدين ويغفر لجميعنا ويكتبنا عنده من المقبولين. ويرحمنا ويجعل لنا كتاب صدق في عليين.