أكبر التحديات التي يواجهها البحرينيون الآن كي لا تنتقل إلينا عدوى الاضطرابات والحروب والفتن التي غزت العراق وسوريا تتمثل في قدرتنا على المصارحة بوضوح الكلام، وعدم اللف والدوران حول المشكلة الأساسية، والانتقال من وضعية تغليف الكلام وتبطينه حرجاً بحكم (العادة) من الآخرين.
فالتلعثم قد يطيل أمد انفصال العالمين اللذين تحدث عنهما وزير الداخلية في حديثه مع قادة الرأي في المجتمع البحريني، وقد يؤدي هذا الانفصال إلى ما لا تحمد عقباه في حال استمراره، لذا فمن أجل إعادة اللحمة وتجنب المزيد من الانفصال والسير في مركب واحد لابد أن نتكاشف ونسمي الأشياء بمسمياتها.
سواء وصلت القوى السياسية إلى توافق نهائي عبر الحوار أم لم تصل فذلك ليس هو ما يعيننا، ما يعنينا هو أنه أمامنا طريقان لا ثالث لهما في حال لم نصل إلى توافق، أما الاستمرار والمضي قدماً في حياتنا بالدخول في الانتخابات وبحصر آليات وأدوات الخلاف داخل السلطة التشريعية، أياً كانت المشاكل العالقة أوالمطالب غير المحققة أو القصور في التحول إلى ما يرجوه هذا الطرف أوذاك للنماذج الديمقراطية، أو الإصرارعلى تعطيل الحياة وعلى تعطيل المسيرة والإصرار على وقف عجلة الحراك السياسي واللجوء أما للعنف أو للضغوط الأجنبية لتحقيق النموذج الذي تصر عليه جماعة المرشد الأعلى الإيراني.
وهنا علينا أن نعرف موقف الدولة لأن موقف الجماعة معروف، فالذراع الإعلامي لجماعة المرشد الإيراني (منبر الجمعة وفي منبر الوفاق ومنبر الوسط) من بعد خطاب معالي وزير الداخلية ومن بعد خطاب جلالة الملك لم يغير من نهجه ورؤيته قيد أنملة، وضرب بعرض الحائط خطاب الوعض والتمني والرجاء الذي انتهجته الدولة، فهو مازال لا يرى حلاً ولا يرى حلحلة ولا يرى استحقاقاً ولا يرى إعاقة ولا يرى متشددين ولا يرى طائفيين و متنفعين إلا عند الطرف الآخر، وهذا أول حجر عثرة وأول عصا توضع في عجلة التقدم لإعادة دمج العالمين.
من رابع المستحيلات أن تجد خطاباً ذاتياً من رابع المستحيلات أن يدير هذا الذراع مرآته ليرى وجهه و يسأل ما المطلوب منه لإعادة الدمج ولسير العجلة، فخطابه مستمر على نفس الوتيرة وذات التوجه منذ أكثر من ثلاثين عاماً لم يتغير، منذ الثورة الإيرانية إلى اليوم وهو يرى المشكلة في «طائفة» مهمشة، ولا يراها في حقوق دستورية، يراها في «تمييز طائفي» ولا يراها في تمييزاً ضد الكفاءات، يراها حقوقاً طائفية منتقصة، ولا يراها حقوقاً إنسانية مستحقة العالم بالنسبة لهم بدأ وانتهى عند ولادة جماعة الولي الفقيه، النضال، العمل السياسي، النشاط الحقوقي، حتى الحضارة البشرية بدأت يوم ولادة الخميني ومنتهاها يوم ظهور الإمام، وكل ما، وكل من هم خارج هذا العالم الافتراضي، ليسوا سوى أحجار تحرك لخدمة المشروع.
على هذا الأساس الذي ثبت مرة تلو الأخرى، على البحرين الدولة أن تحدد موقفها الآن دون أن تأمل خيراً من هذه الجماعة، إلا إن كان ذلك معجزة من رب العالمين يهديها رب العباد، أما دون ذلك ووفقاً للمعطيات التاريخية والحالية وحتى اللحظة، فلا ننتظر أن تواجه هذه الجماعة نفسها وتقر بأنها ارتكبت أكبر جريمة في حق هذه الأرض وحرقت الأخضر واليابس عليها، فكل ما ارتكبته يداها كان نضالات وثورات وحقوق طائفية وردة فعل مشروعه و.. و.. و.. كل ما يمكن أن يحفل به قاموس اللغة التبريرية.
لذا فإنه يؤسفني ويحز في نفسي ويؤلمني أن أقول إن خطاب قيادات الدولة مازال يحاول أن يكون لطيفاً وواعضاً ومذكراً ومنبهاً للمخاطر الإقليمية، وهو خطاب يعبر عن ذات السياسة التي انتهجتها الدولة منذ 2002 مع تلك الجماعة إلى اليوم، عل وعسى أن تقبل أن تركب هذه الجماعة سفينة الوطن مع الآخرين، اثنا عشر عاماً والبحرين تنتهج هذه السياسة وتتبنى هذا الخطاب، فهل غيرت من الأمر شيئاً؟ ألم تبقَ الجماعة على نهجها منذ 1995 إلى اليوم دون تغيير؟ ألم تستمر سائرة على ذات الدرب؟ ها هي للمرة الألف ربما وبعد خطاب وزير الداخلية وحتى بعد خطاب جلالة الملك وبعد التنبيه لحجم المخاطر التي تهدد المنطقة خرجت بكل أذرعها الإعلامية بخطاب موحد، وهو الاستمرار في استعراض ما هو مطلوب وما هو مفروض وما يجب أن يفعله الطرف الآخر. ولم ترد كلمة واحدة.. كلمة واحدة عن ما هو مطلوب من طرفها، ولن تقول هذه الكلمة ولن نسمعها، فهل مازلنا نأمل في صحوة أو نقد ذاتي أو تقييم أوإعادة نظر في نهجها؟!!
يؤسفني القول إن «الجماعة» حددت وجهتها وهي مستمرة في السير تجاهها، أما الدولة.. فهي وحدها التي لم تحدد بعد وجهتها ومازالت تقف في منتصف الطريق تعض وتخطب ود، وتنبه و تأمل أن يهدي الله الأطراف الأخرى.
كلمة أخيرة
في ظل أوضاع تقليدية ومخاطر تقليدية ممكن لهذا النهج أن ينقذ البلاد ويسير المركب إلى حين يقضي الله أمره، مثلما استمر الحال على ما هو في الاثني عشر عاماً الماضية، إنما في ظل هذه الأوضاع الإقليمية غير التقليدية التي نعيشها فإن تلك السياسة المترددة هي من أخطر ما يواجه الدولة.
اللهم احفظ البحرين وأهلها وناسها من كيد الكائدين.