بحكم ما تمر به بلادنا من أحداث وبحكم الوظيفة أو الاهتمام صار الواحد منا يفتح «النت» و«الموبايل» صباحاً ليعرف أهم الأخبار قبل أن يفتح عينيه ويغسل وجهه، وبالتأكيد حين يفتح عينيه في صباح ثاني أيام شهر رمضان المبارك على خبر ملخصه أن «ثوار القرية الفلانية يستأنفون الحراك الثوري ويغلقون الشارع العام غضباً لحملة المداهمات وانتهاك حرمة الشهر الفضيل»، ويرى مع الخبر صورة لكمية من إطارات السيارات وهي تشتعل وينبعث منها دخان أسود كثيف؛ فإنه دونما شك يحاول أن يعرف كيف يفكر هؤلاء الذين «منوا» على البحرين وأهلها بقرارهم التوقف عن أعمال الفوضى والتخريب في أول يوم من أيام الشهر الكريم، حيث اعتبروه إجازة ويوم راحة ويوم احترام للشهر الفضيل وللصائمين!
حين تصبح على هكذا خبر تسارع إلى تحليله، فتقرأه أكثر من مرة وتحاول أن تربط بين مفرداته وبينه وبين الصورة. هنا مثلاً لا بد أن تتساءل هل أن احترام رمضان والصائمين يقتصر على يومه الأول فقط؟ لماذا لا يشمل احترامهم وتقديرهم وإجلالهم لرمضان الشهر كله؟ ولا بد أن تتساءل أيضاً عن تأثير هذا الدخان المنبعث من تلك الإطارات المشتعلة على الصائمين الذي يصلهم غصباً عنهم، وتتساءل عن تأثير الدخان الأبيض الناتج عن ردة فعل رجال الأمن الذين يجدون أنفسهم مضطرين لنشره، فيصيب الصائمين وكل من تصله، سواء كان في الشارع أو في البيت أو في مستشفى يضم مولوداً حديث الولادة. ثم تتساءل عن أسباب حملة المداهمات التي يتحدثون عنها، وعن الذي بالفعل ينتهك حرمة الشهر الفضيل.
المداهمات أمر طبيعي لأنه من غير المعقول أن تترك الأمور هكذا ويترك منفذو عمليات التخريب وناشرو الفوضى يسرحون ويمرحون على هواهم، خصوصاً وأن القانون يبيح للجهات الأمنية البحث عنهم واحتجازهم لاتخاذ الإجراءات التي يحددها القانون ضدهم. لكن انتهاك حرمة الشهر الفضيل بتلك الممارسات التي تم بيانها والتي لا يتضرر منها إلا المواطنون والمقيمون هو ما ينبغي الاحتجاج ضده، خصوصاً وأن أذاهم لا يشفي غليل المؤذين ولا يبرد قلوبهم ولا يمكن احتسابه نصراً.
كان المتوقع أن يقرأ هؤلاء ومن يقف وراءهم أو يناصرهم حديث وزير الداخلية الأخير قراءة ذكية، فيقتنصون اللحظة ليفعلوا ما يصب في صالح الوطن وفي صالح الناس وليسهموا بفاعلية في مرحلة تضميد الجراح، خصوصاً وأن الوزير تحدث حديثاً لا يمكن إلا أن يوصف بأنه متزن، خاطب من خلاله القلوب قبل العقول، ويكفي قول معاليه «البحرين خسرت كل قطرة دم أريقت في تلك الأحداث» وقوله «نحن اليوم ننظر بثقة إلى المستقبل» وقوله «من المهم أن تكبر الدولة على الحدث حتى تستمر حركة الحياة.. ويجب ألا تتوقف مسيرة النهوض.. وسوف تكون هناك أبواب مفتوحة»، فهذه الأقوال التصالحية تعني أن اليد ممدودة وأنه ليس على مختلف الأطراف ذات العلاقة سوى اقتناص الفرصة والعمل على لم الشمل كي نتفرغ جميعاً للبناء وكي نتمكن من حماية بلادنا في ظل الفوضى العارمة التي تسود المنطقة حالياً وباتت تشكل خطراً داهماً.
مؤلم ألا يتغير تفكير ونهج هؤلاء، المنفذين والمحرضين وراسمي خططهم، ومؤلم ألا يتمكنوا من النظر بعيداً فلا يفكروا إلا في المصلحة الضيقة التي «قرطسوا» أنفسهم بها، ومؤلم أيضاً أن تكون ردة فعلهم سلبية إزاء كل دعوة خير صادقة وأن يكون التعامل معها بشك وحذر.
الأجواء الرمضانية وحديث وزير الداخلية فرصتان ينبغي ألا يضيعوهما، فليس معقولاً أن يصبح المواطنون والمقيمون يومياً على أخبار اختطاف الشوارع ودخان يعكر صفو يومهم ويشككهم في صيامهم وفي غايات «المعارضة».