عندما يحدث خلاف بين شقيقين ويصل حد الزعل والقطيعة ثم يعلم أحدهما بتفوق الآخر في مجال معين أو نجاحه في عمل ما فإن قلبه يحكي ويتصرف بطريقة تختلف عما يحكيه ويعبر عنه وجهه الذي ربما يظل متأثراً، بما جرى بينه وبين شقيقه، ويظل محكوماً بما حدث ومتأثراً به حتى حين، فهو في داخله يفرح لنجاح شقيقه ولتفوقه ولتقدمه ولتمكنه من تحقيق ما ينفعه وينفع به أهله ووطنه.
هكذا هو معدن الإنسان البحريني الذي يظل رغم كل شيء نقياً صافياً، لذا لا يمكن أن تجد بحرينياً واحداً لم يفرح لما أحرزته أمينة الحواج باختراعها وحصولها على التقدير الذي تستحقه عالمياً، ولا يمكن أن تجد بحرينياً واحداً لا يفرح لحصول بحريني على جائزة أو شهادة علمية أو شهادة تقدير أو حتى مجرد ثناء على عمل قام به أو قول تسبب في إحداث مفيد للآخرين. والأكيد أن هذا البحريني لا يسأل ولا يهمه إن كان الآخر هذا ينتمي إلى هذه العائلة أو تلك أو إلى هذا المذهب أو ذاك، فأهل البحرين على مدى الزمن الذي مضى لم ينحُ بتفكيرهم هذا المنحى.
هكذا هي البحرين دائماً، وهكذا هم أهلها، لا يمكن أن يسمحوا لما ألم بهم من ألم أن يقود تفكيرهم وعواطفهم. نعم الكل تأثر في السنوات الثلاث الغابرات، وكثيرون اتخذوا مواقف سالبة من كثيرين، والشرخ الذي حصل في المجتمع لم يكن هينا، ولا بد أن تكون له تبعات، لكن مع هذا يظل الإنسان البحريني قادراً على تجاوز كل ما حدث، وقادراً على التعبير عن سعادته لنجاح الآخر الذي هو في كل الأحوال شقيقه ونصفه الذي لا يستغني عنه.
ليس هذا حديث عواطف، ولكنه حقيقة الإنسان البحريني الذي لا يكتفي بأن يفرح لفرح الآخر الذي هو جزء منه بل لا يقبل عليه ولا يرضى أن يمسه الآخرون بسوء، وإن اختلف معه. بالتأكيد هناك من لا يزال دون القدرة على استيعاب ما حدث وما مرت على بحريننا من أحداث ولا يزال يجد صعوبة في عمل «دليت» لما مضى، وبالطبع لا يمكن أن يلام، لكنه في المجمل وبسبب معدنه الطيب لا يتردد عن التعبير عن فرحه بنجاح الآخر الذي هو الآخر لا يتردد عن التعبير عن فرحه بنجاح شقيقه.
وزير الداخلية عبر عن المرحلة الجديدة التي ننتقل إليها الآن بمرحلة «تضميد الجراح»، وهو تعبير موفق للغاية ويعني أن علينا أن نتسامى على جراحنا لنتمكن من تضميدها ولنتمكن من استيعابنا لبعضنا البعض ولنرمي ما جرى وراء ظهورنا، فنحن أبناء اليوم وينبغي ألا نسمح للأمس الصعب والمؤلم أن يقودنا ويتحكم فينا.
في مرحلة تضميد الجراح نحتاج إلى تفعيل صفة التسامح، وهو أمر لا بد منه، فمن دونه لا يمكننا تجاوز ما حدث والدخول في المرحلة الجديدة. لا مفر من أن أسامح الآخر أياً كان فعله وأياً كان حجم الخطأ الذي ارتكبه، ولا مفر للآخر من أن يخطو الخطوة نفسها تجاهي، فالتسامح أساس لإزالة ما علق بحياتنا ومجتمعنا من آثار ذلك الصعب الذي جرى علينا.
جولة في المجالس الرمضانية التي تمتلئ بها البحرين في هذا الشهر الكريم تعين على التأكد من أنه ليس صعباً خيار التسامح والنسيان أو على الأقل التناسي، وليس صعباً تجاوز تلك المرحلة والانتقال إلى المرحلة الجديدة التي نضمد بها جراحنا، بل نضمد فيها جراح بعضنا البعض، والتي تعين على التأكد من أن معدن البحريني لا يزال كما الذهب غير قابل للخدش