خيارات محدودة أمام دول مجلس التعاون الخليجي تجاه عملية التحول الاستراتيجي المقبلة على المنطقة، منها ما يضعها في موقف المدافع فترة وجيزة ثم تعصف بها رياح التحول، وآخر يضعها موضع اللاعب الرئيس لتتحكم بجزء من عملية التحول وتخرج أقوى من ذي قبـل، خيارات داخليـة وأخرى إقليمية.
أما ما يخص الأحداث في المحيط الإقليمي؛ فأبرزها في العراق الذي جربت دول مجلس التعاون خيار عدم التدخل في شأنه على الرغم من الفراغ الكبير الذي أحدثه الاحتلال الأمريكي، والذي استوجب التدخل المباشر كون العراق جزءاً من منظومتها العربية، فكانت النتيجة أن إيران تدخلت حتى النخاع وعلى كل الأصعدة وشكلت نظاماً سياسياً موالياً لها معادياً للخليج.
اليوم أمام دول مجلس التعاون فرصة كبيرة لتغيير واقع سياسي فرضه الاحتلال ورفضه أهل العراق، خيار يتمثل بدعم الركن الأساسي في معادلة التغيير لصالح العراق ويقضي على التهديدات التي تواجه دول مجلس التعاون، وأقصد دعم القوى المعتدلة في الثورة، علماً أن داعش أو الدولة الإسلامية، كما تسمي نفسها اليوم، لا تدعي أنها جزء من الثورة وليس بينها وبين هذه القوى أي شراكات أو تحالفات، وأما اللجوء لخيار دعم العملية السياسية أو الحديث عن إصلاحها وتقديم دعم مالي للمتضررين من القصف والتهجير فلن يغير في المعادلة شيئاً، وسيكون ذلك تجاهلاً للثورة وقواها ومن تمثلهم ووضعهم أمام خيار واحد وهو القبول بالعملية السياسية الحالية التي تسببت بمشاكل العراق، كما دول مجلس التعاون أكبر من أن تؤدي دور الدول المانحة أو منظمات الإغاثة طالما بإمكانها إعادة رسم الخارطة من جديد، فهي معنية بشكل مباشر بأحداث العراق وقادرة على التدخل وإيجاد حل، إن لم يكن لأجل العراق فلأجل دفع الخطر عنها.
أما خيار دول مجلس التعاون الداخلي فيتعلق بموضوع الاتحاد الذي إن لم يكن في هذه المرحلة فلن يكون في غيرها، فمرحلة التحولات الاستراتيجية هذه الفاعل فيها دول كبيرة متماسكة سياسياً واقتصادياً، والاتحاد سينتقل بدول الخليج من مرحلة التعاون إلى مرحلة الدولة الواحدة الفاعلة القوية والمؤثرة في محيطها، وبدلاً من أن تغيب دولها لتظهر بدلاً عنها دويلات صغيرة ضعيفة ستتحول إلى دولة واحدة قوية تفرض شكل التغيير في محيطها بعد أن فرضته على نفسها، والذي منه العراق الذي تريده عراقاً واحداً وتدفع عنه شبح حرب أهلية طويلة يقسم بعدها.
عدم استثمار فرصة إنقاذ العراق والابتعاد عنه لن يبعد شبح الخطر عن منظومة دول مجلس التعاون، ولن يغير في موضوع التحولات التي ستغير خارطة الدول العربية، واتخاذ قرار دعم القوى المعتدلة في العراق والاتحاد الخليجي سيكون التحول الإيجابي في الخليج.