عندما يقصف الجيش العراقي مئذنة جامع الفاروق ويسقط 15 شهيداً؛ هنا نقول إنها دولة جاهلية ظالمة، وعندما يقصف الجيش اللبناني وحزب الله مخيم اللاجئين السوريين في بلدة عرسال اللبنانية ويسقط 4 شهداء سوريين؛ فإنها دولة جاهلية ظالمة. لكن عندما تقوم دولة بحماية شعبها من ميليشيات جاهلية ظالمة مثل ميليشيات المالكي فإنها دولة حديثة توفر الأمن داخلها كي تواجه عدوها الخارجي بقوة وثقة بعدما أرست الأمان بمناطقها وسدت الثغرات التي يمكن أن تتسلل منها هذه الميليشيات، وأنفذت القانون العادل في القاتل والمحرض، وطهرت الدولة من النفوس الجاهلية الظالمة التي لم تتوقف يوماً عن عدائها للدولة ومؤسساتها وكذلك عن عدائها الظاهر لشعب بعينه، والذي تريد أن تفصله عن الحياة حتى يخلو لها الجو وتصبح الدولة بالظاهر وهماً وبالباطن مثل لبنان، وهكذا تؤسس دولة جاهلية ظالمة تفعل ما تفعله دولة العراق ولبنان.
إذاً الدولة الحديثة اليوم هي بحاجة إلى قوات أمنية مسلحة كما الدول الأوروبية وأمريكا التي يحمل رجال أمنها الأسلحة المناسبة للوضع الأمني، وذلك عندما تكون هناك ميليشيات مسلحة بأسلحة فتاكة، ميليشيات تسعى لنزع الحكم بالقوة، ميليشيات مدعومة من الخارج، ميليشيات أسقطت بأسلحتها ضحايا من المواطنين ورجال الأمن.
وها هو ما يسمى الربيع العربي يكشف لنا مدى ضعف الأمن الداخلي في هذه الدول التي سقطت واحدة تلو الأخرى، والسبب هو ضعف أجهزتها الأمنية والخيانات التي حصلت داخل هذه الأجهزة، وهو أمر مهم للغاية، وذلك حين تخترق الأجهزة الأمنية وباقي مؤسسات الدولة بأفراد يتبعون مرجعيات دينية وسياسية معادية للدولة، وهذه الثغرة تعتبر من نواقص الدولة الحديثة، عندما تصبح أجهزتها الأمنية مخترقة وغير مدربة التدريب الكافي وغير مسلحة ويصبح أفرادها صيداً سهلاً للميليشيات المسلحة المتدربة على مختلف فنون القتال، والتي تم تدريباتها في معسكرات خارجية وداخلية، حيث تم تدريبها على القتال الداخلي في الدول المعادية.
نعود إلى الدول الجاهلية الظالمة التي تعتمد على الميليشيات التي أصبحت جزءاً أساسياً في المنظومة الأمنية والعسكرية، وها نحن نرى كيف يقصف مسجد الفاروق في العراق بمن فيه من مصلين من قبل ميليشيات جيش المالكي، وكيف يقصف مخيم لاجئين سوريين في بلدة عرسال بيد نفس الميليشيات المتغلغلة في الجيش اللبناني وبالتعاون مع حزب الله، وهو ما يعكس صورة الدول الجاهلية الظالمة، التي تبيد مؤسستها الأمنية والعسكرية، ليس مئات الآلاف من شعبها، بل الملايين، أي أن الدول الظالمة استخدمت قواتها جوية وبحرية وبرية ضد شعوبها، وليس بشوزن طيور أو غاز مسيل دموع صنع في أمريكا.
كما نتطرق هنا إلى ما ذكره أحد الكتاب الذي يمثل الفكر الوفاقي عندما تحدث عن الدولة الحديثة في أحد مقالاته، وقال «إن من معالم الدولة الحديثة أن الحكومة تحتكر استخدام وسائل القوة، وإنها تستخدمها ضد أعداء الخارج، أما الداخل فإن الشعب ليس عدواً ولا يحتاج سوى قوات من دون سلاح أو بسلاح خفيف من أجل حفظ الأمن».
هذا الكاتب بالطبع يقصد الدولة التي يريد لها أن تنبطح أمام الميليشيات التابعة لإيران كي تقتل رجال الأمن، هذه الميليشيات المسلحة يريد من الدولة أن تواجهها بقوات غير مسلحة كي تسقط الدولة مثلما سقط من قبلها، وإن كانت الدولة مع قواتها الأمنية أسلحة كافية والتي أقلها الدفاع عن النفس، ولذلك اليوم يسعى هذا ومعه الوفاق لجعل الدولة دون جهاز أمني حين يتحول جهازها الأمني إلى رجل مرور يحمل في يده قلماً ودفتر مخالفات ليس إلا، وهكذا تصبح في نظرهم الدولة حديثة.
على الدولة اليوم أن تأخذ بالأسباب التي تجعل منها دولة حديثة تتماشى مع الوضع الإقليمي السائد، وهو قيام أحزاب وميليشيات بإسقاط الدول عن طريق التغلغل في مؤسساتها والسيطرة عليها من البوابة إلى أعلى طابق فيها، مثل اليمن وسيطرة الحوثيين على مؤسساتها بعدما أن تعاملت معهم الدولة اليمنية في البداية بحسن نية حتى صنعت منهم قوة منافسة لقوتها، بل تفوقت عليها، وها هي اليوم تصل إلى صنعاء، وها هو حزب الله في لبنان الذي بلع لبنان بمؤسساته حتى خضعت له بيروت، وها هو العراق الذي أصبحت تحكمه الميليشيات، وكلها كانت أحزاباً قوتها الدول نفسها عندما تعاملت معها بحسن الظن والنوايا التي لا تصلح اليوم أن ترتكز عليها الدول الحديثة إذا أرادت أن تبقى.