يتفق المعنيون بأمور السياسة والاقتصاد على أنه لا يمكن أن تأخذ أولويات التنمية والتطوير والإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي مداها الحقيقي ما بقيت الأزمات والنزاعات، لأنها تشكل عاملاً للتوتر ومصدراً للتهديد الأمني والاستراتيجي الذي يفرض بدوره على الدولة تخصيص الموارد الضخمة لمواجهته، وبالتالي يتعذر رصد تلك الموارد لمصلحة أهداف التنمية والتقدم وترسيخ الرخاء والازدهار، أي أن تلك الموارد يتم وضعها في الخانة الخطأ.
هذا الكلام لو قلته لأولئك الذين لايزالون في «نشبة» مع الدولة هنا لقالوا لك ببساطة إن عليك أن تقوله للحكومة التي أنفقت الكثير من الأموال لمواجهتنا ومواجهة مطالبنا بدل أن ترصدها لخدمة التنمية وتطوير البلد. ولو أنك قلت هذا الكلام وذاك للحكومة لقالت لك ببساطة كيف تريدني أن أنغمس في فعل التنمية وهؤلاء يعيقونني ويشغلونني عن القيام بهذا الأمر ويسعون إلى إسقاط النظام ولايزالون مصدر تهديد؟
المثير في الأمر هو أن كلا الطرفين يقول كلاماً صحيحاً ومنطقياً، لكن الأكثر إثارة هو أنه بسبب استمرار وثبات الطرفين على رأيهما ارتبكت التنمية وصار المستقبل أكثر غموضاً، خصوصاً مع وضع كل طرف الآمال على التغيرات الإقليمية والدولية المحتملة في ظل هذا الوضع الذي يموج بالتغيير وبالمفاجآت.
ما يهمنا هنا هو تعطل فعل التنمية الذي يعني في وجهه الآخر تقدم الآخرين عنا وبقاءنا في المرتبة الأخيرة وازدياد المسافة الفاصلة بيننا وبين الآخرين. هذه إشكالية ينبغي من الحكومة أن تضعها في حساباتها، وينبغي من «المعارضة» بكل تلاوينها وأطيافها أن تضعها في حساباتها أيضاً، حيث استمرار الوضع على ما هو عليه يعني أن هذا الوطن سيعاني من تأخره، ومن تقدم الآخرين وسيجد أن المسافة الفاصلة بينه وبينهم كبيرة يصعب ردمها.
استمرار «المعارضة» في مواقفها المتصلبة هو استمرار لحالة تعطل التنمية وما ينتج عن هذه الحالة من أضرار اليوم وغداً، واستمرار الحكومة في مواقفها هو استمرار لحالة التعطل تلك، هذا يعني أنه صار لزاماً التوقف للمراجعة وإعادة الحسابات لأن الضرر على الوطن سيكون بالغاً، وهذا ليس في صالح الطرفين اللذين لا يمكن أن يستمرا شاغلين لمقاعد المتخاصمين لأن الوضع الطبيعي هو أنهما مكملان لبعضهما بعضاً وأنه من دون هذا لا يمكن أن تتحقق التنمية.
بالتأكيــــد لا يمكـــن توجيه اللـــوم كلــــه لـ«المعارضة»، ولا يمكن توجيهه كله للحكومة، فالطرفان يتحملان ما آلت إليه الأوضاع بغض النظر عن نسبة إسهام كل طرف في ذلك. الطرفان كانا سبباً، والطرفان يتحملان النتيجة، والطرفان معنيان بإيجاد حل لهذه الأزمة التي طالت حتى ضاق منها الجميع وحتى صار البعض منا يشعر وكأنه لا مخرج لنا منها وأن الغلبة ستكون للمتشائمين.
هذا يعني أن على الطرفين أن يفكرا في إيجاد المخرج المناسب، وأن يضعا في اعتبارهما أن ناتج إصرارهما على مواقفهما الحالية نتيجته ضياع وطن ظل على مدى التاريخ مساهماً رائعاً في فعل الحضارة.
أي أن على الطرفين، ومعهما الأطراف الأخرى ذات العلاقة، أن يجتهدوا في التوصل إلى ما يهيئ لهم طريق العودة إلى الحوار الذي تعطل ثلاث مرات حتى صار المواطن البحريني يبتسم ساخراً عند سماع هذه المفردة.
لماذا لا تستفيد الأطراف المعنية بهذه الأزمة من الأجواء الإيجابية التي يوفرها شهر رمضان المقبل علينا بعد أيام لعمل شيء يعيد الحكومة إلى الانشغال ببرامج التنمية ويعيد «المعارضة» إلى العمل على خدمة الوطن والإعلاء من شأنه ومنع ازدياد المسافة الفاصلة بيننا وبين دول المنطقة؟
لو نتذكر فإن الحوار في العام الماضي توقف في شهر رمضان ثم ضاع ، فهل يبدأ هذه المرة فيه؟