دعوة صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة للاتحاد الخليجي هي دعوة لكل دول الخليج بأن تأخذ بها وحالاً، فالقادم كالح والمستقبل لا يبشر بخير، نعم.. إن التفاؤل وحسن الظن بالمجتمع الدولي والصداقات والتحالف قد تنأى بدول الخليج أو بعض منها، لا يمكن أن يكون في هذا الزمن والظرف التاريخي الذي لم تمر بمثله دول الخليج قط.
إذاً فماذا تنتظرون؟ هل تنتظر كل دولة أن تتهاوى وتسقط مثلما سقطت ليبيا وتونس، وما حدث في مصر وماذا يحدث في سوريا والعراق؟ أليست هذه دولاً قوية لديها قوات عسكرية وجيوش أرضية وجوية؟ أليست لديها حكومات قوية؟ أليست لديها مؤسسات وثروات؟ أليس لديها حلفاء ورفقاء؟ ألم تكن الأرض تفرش بالسجاد لرؤسائها الذين سقطوا ويستقبلون بالفرق الموسيقية العسكرية أينما حلوا وأينما طاروا؛ فأين هم اليوم؟ أين دولهم؟ لقد تلاشوا كما تلاشت الخلافات الإسلامية، وكما ذهبت الدولة العثمانية وكما ذهب قبلهم الملوك، وذلك عندما غابت عن هذه الدول فكرة التلاحم والتناصر والاتحاد في مواجهة أعداء الأمة، ظناً منها بأن كل دولة قادرة على أن تحمي حماها وترد أعداءها، ولكن لم يدر بخلدها أن هناك مؤامرات تحاك من داخلها وأن أيادي أجنبية تلعب في شعوبها فتهيجها وتؤلبها، هذه الفوضى الخلاقة، وهي سياسة الدول العظمى التي تآمرت أن تطيح أولاً بالوطن العربي ثم تستفرد بدول الخليج العربي.
دول الخليج العربي التي مازال كل منها يفكر وتتداول وتتشاور على الاتحاد، وهي لا تدري أن ساعة العسرة تدنو منها كل يوم، وها هم بعض من مواطنيها أوكلت لهم مهمة التحطيم والتدمير والتخريب والتأليب، وها هي جماعات كل يوم تخرج، وقنوات كل يوم تثبت أن هناك شيئاً قادماً، تلك القنوات التي تستنفر وتحث المواطنين على تحدي حكامهم ومنازعتهم على إدارة شؤون الحكم، وها هي المظاهرات والمشاغبات والاجتماعات والمؤتمرات، وها هي مخابئ الأسلحة قد فتحت وهذه الرشاشات قد انطلقت، وها هو تأييد المجتمع الدولي للجماعات المناهضة لحكامها، فقد فتحت لهم أبواب المنظمات، وها هو قصر الأمم المتحدة اليوم يشهد على احتوائه المعارضات التي تسعى لإسقاط حكومات دول الخليج، وها هو الاتحاد الأوروبي وأمريكا اليوم يجتمعون على البحرين، وغداً بالتأكيد ستكون بعدهم دولة خليجية أخرى، فلا شيء بعيد ولا شيء غريب، وذلك عندما انفصلت كل دولة عن شقيقتها بسبب أو بدون سبب، أو قد يكون هناك حلف مع دولة أجنبية قطعت لها الوعود بحمايتها ما لم تنضم إلى الاتحاد، وهذا عشم.. والله إنه عشم عندما يظن أن هذه الدولة الأجنبية مهما بلغت قوتها ستفي بوعدها، هذه الدولة الأجنبية جزء لا يتجزأ من الاتحاد الأوروبي المتكالب على الأمة، والذي يضم 28 دولة وهذه حتى كرواتيا تنضم إليهم هي الأخرى، هذا الاتحاد الذي ضم دولاً لا يجمعها تاريخ مشترك ولا عقيدة.. وها هو الاتحاد الأوروبي قد احتفل في 2007 بمرور 50 سنة على إنشائه، بينما دول الخليج مازالت حتى اليوم تعيد النظر والتفكير في الاتحاد الذي لم يثمر حتى اليوم باتحاد دولتين.
إذاً دعوة صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة ليست دعوة جاءت لتكوين اتحاد قوي، دعوة تبنتها الدول الغربية ونفذتها، وكانت قبلها دولة الخلافة الإسلامية التي وصلت حضارتها أقصى الشرق والغرب، وذلك عندما توحدت جيوشها، وتوحدت قراراتها في مواجهة أعدائها، حتى أصبحت قوة واجهت بها دولاً وحضارات عظيمة في وقتها، وما كان من هذه الحضارات إلا التقهقر في وجه اتحاد إسلامي تمثل في وحدة المصير التي فيها تآصر المسلمون شرقاً وغرباً في التصدي للحملات الأوروبية والصفوية.
لندرس هذه الدعوة الصادقة التي خرجت من قلب ينبض بحب الأمة، نعم اليوم يدعو سموه إلى أبعد من الاتحاد الخليجي، وهو أن تجتمع الأمة في الاتحاد العربي، إنها دعوة كل يوم تردد ما دام في الوقت فسحة ومتسع، ولكن إن فات أوانها ودقت الساعات كما دقت ساعة سوريا والعراق وبدأت تدق عقاربها اليوم في البحرين، وبعد البحرين لن يكون هناك وقت لدراسة اتحاد، ولن ينفع الندم، ولن يكون هناك متسع من الوقت للتحرك والمبادرة عندما تتحرك الأساطيل وتجتمع الجيوش، تلك الجيوش التي اجتمعت يوماً على العراق والتي لم تستطع أن تهزم العراق العظيم الذي يملك قوة عسكرية لا تضاهي قوته دولة، وإذا بجيشه يتحلل وينقرض بعد أن نخر من داخله، فاستسلم العراق وسلم، وذلك بعدما فصله العدو عن أمته، وظن بنفسه غروراً بأنه قادر على مواجهة اتحاد عالمي وضع خريطة الشرق الأوسط الجديد قيد التنفيذ، في وقت مازالت فيه دول الخليج تتحدى بعضها بعضاً وتستفرد بقراراتها ويظن البعض منها أنها الناجية