كتبنا ضد من يقوم بالمخالفات المرورية والتجاوزات الجسيمة التي تتعلق بقواعد السير، أكثر مما كتبته الإدارة العامة للمرور، ولو تم جمع ما كتبناه هنا في الأعوام الأخيرة، لاستطعنا أن نجمع كرَّاساً في هذا الشأن، حتى اتهمنا البعض بأننا أشد قسوة من المرور أنفسهم.
مع اقتراب العمل بقانون المرور الجديد، يتعين على الإدارة العامة للمرور أن تقوم بتهيئة موظفيها على الانسجام مع القانون الجديد، وخلق كوادر مميزة في فهم روح القانون الجديد القديم، وأن تتغير العقلية التقليدية في إدارة حركة تطبيق هذا القانون، والتي تعتمد على جباية الأموال في غالب الأحيان قبل أي شيء آخر، فإذا لم يتم تدريب رجال المرور على التعامل بطريقة مختلفة وراقية مع المخالفين، فإن إدارة المرور ستتحول «لحصالة» كبيرة، لكن من دون القضاء على الظواهر السلبية والمخالفات المرورية الجسيمة، ونحن نجزم حين تتحول الإدارة العامة للمرور إلى محطة «للحسبة»المالية، فإن أعداد الوفيات والإصابات البليغة جراء الحوادث المرورية لن تتغير.
من أبرز ما يمكن الحديث عنه في هذا الخصوص، وما يمكننا النصح به في هذا المجال، هو زيادة جرعات التوعية المرورية، وإقامة الحملات التثقيفية المكثفة والمميزة لمرتادي الطرق، حتى ولو استغرق هذا الأمر زمناً طويلاً قبل تطبيق قانون المرور الجديد، إذ لا يمكن أن تعاقب مخالفاً دون إرشاده ولو لمرة واحدة في حياته، ولا من المنطق أن نحاسب مرتكب المخالفة دون أن نقوم بزرع روح القانون وحبه في عقله وقلبه.
المرحلة القادمة هي من أبرز المحطات المسؤولة التي يجب أن تتقنها الإدارة العامة للمرور، ألا وهي مرحلة الإرشاد المروري، لأن على ما يبدو مازال بعض من رجال المرور، في خارج مكاتب الإدارة العامة للمرور ومن داخلها كذلك، يتعاملون مع المخالفين بطريقة بدائية، حتى أصبح كل همهم منصباً في كمية المبالغ المدفوعة لداخل خزائن المرور، حتى من دون إلقاء كلمة نصح وإرشاد للمخالف.
ما دفعنا للحديث عن هذا الأمر، هو حادث مروري بسيط وقع قبل أيام، حادث مرور قام به مراهقون صغار ضد امرأة، ولعدم علمهم بالقانون وخوفاً من العقوبة ومن معرفة ذويهم بأمر الحادث، قاموا بتلفيق قصة غير حقيقية على المرور، لكن سرعان ما بان للمرور عدم حقيقة الأمر، وذلك بسبب صغر سنهم، حينها اعترفوا بخطئهم، فما كان من الموظف حينها إلا أن قام بتخويفهم وحجزهم في منتصف الليل حتى صبيحة اليوم الثاني -مع العلم أن من بينهم فتاة لا تتجاوز 19 عاماً- دون علم ذويهم أو حتى الاتصال بهم، ومن دون أن يقوم بنصحهم ولو بكلمة واحدة، وحين بكت الفتاة أمامه، أخبرها أنها تستطيع الاتصال بأحدٍ من ذويها من أجل أن يقوم بكفالتها لمدة ساعتين، ومن ثم تعود للمرور، وذلك لتحويلهم للنيابة العامة في اليوم الثاني، فقامت النيابة بتغريمهما 200 دينار، مع العلم أن الفتاة طالبة والشاب الآخر لا يعمل!
نحن نقر بالمخالفة التي ارتكبها هؤلاء الشباب المراهق ومن حق القانون أن يأخذ مجراه، ولسنا مضطرين للدفاع عن أي مخالف للقانون، لكن أليس لقانون المرور روح؟ أليس من المفترض أن نقدم لهم النصيحة قبل أن نفكر في أخذ المال منهم؟ أما الغريب في هذا الأمر هو أن الموظف المسؤول لم يكلف نفسه عناء الاتصال بذويهم وتوعيتهم بأهمية الالتفات لأبنائهم، والأهم من ذلك طمأنتهم أن صغارهم بخير!
كل ذلك لم يحصل، وإنما عمل الموظف بطريقة «خذوه فغلوه». فإذا كانت هذه هي العقلية التي سوف تدير قانون المرور الجديد، فإننا نتوقع أن يفوق دخل الإدارة العامة للمرور حتى أكثر البنوك ربحاً في البحرين. صحيح سنجني المال الوفير من المخالفين، لكننا لن نستطيع صناعة مواطن صالح، وكذلك لن تنخفض نسبة الحوادث المميتة وغير المميتة، فالفرق بين القانون والتطبيق هو في روح التعامل والتعاطي معه، وفي شخصية رجل المرور، فهل أعدت الإدارة العامة للمرور لقانون المرور الجديد، ما يمكن له أن ينجح على الأرض؟ أم مازالت تعول في نجاحه على بعض الموظفين غير المؤهلين لتطبيق هذا القانون؟