ربما كان شهر رمضان هذا العام هو الأكثر احتواء للمبشرات بقرب انتهاء الأزمة التي ألمت بالبلاد منذ ثلاث سنوات ونيف بسبب تلك القراءة الفقيرة للظروف المحلية والإقليمية والدولية، وما تلاها من قفزة مجنونة في الهواء لم يدرك منفذوها عواقبها، ويكفي متابعة تصريحات صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، وصاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء، وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد الأمين، خلال زياراتهم إلى الكثير من المجالس الرمضانية للتوصل إلى استنتاج مفاده أن في الجو أخباراً سارة، وأننا نقترب من المشهد الأخير، حيث يسدل الستار وحيث نرمي كل ما جرى علينا وراء ظهورنا لنلتفت من جديد إلى مستقبل هذا الوطن.
نعم لم يخلُ الشهر الكريم من منغصات وممارسات لا تليق به وتعتبر اعتداء على حرمته، عبر بها البعض عن قلة حيلته وأفقه الضيق ومحدودية عقله وافتقاره إلى الخبرة، لكنها في كل الأحوال لم تستطع التأثير على الأمل الذي تمكنت القيادة من إحيائه وجعلت المواطنين ينتظرون بشغف ما ستسفر عنه الشهور القليلة المتبقية من هذا العام، والذي سيشهد انتخابات نيابية وبلدية جديدة وتغيرات متوقعة وغير متوقعة وتفاهمات من شأنها أن تفضي إلى حيث بوابة الخروج إلى المستقبل الجميل.
ما نحتاجه الآن بعد كل هذا الذي مر علينا وكل المبشرات بقرب انتهاء الأزمة هو شيء من الهدوء الذي يمكن أن يعيننا على استيعاب المرحلة التمهيدية هذه وعدم التحسس من كل فعل أو قول، والتوقف عن البحث عن تفسير لكل تصريح وتأويله وإعطائه أكبر من حجمه، ذلك أن هذه المرحلة بطبيعتها حساسة ولا تستوعب كل هذه الأمور وأن تفسيراً خاطئاً لقول ما أو فعل يمكن أن يحرف التقدم الذي حصل عن مساره ويوصل إلى نتائج عكسية تزيد المشهد تعقيداً.
إن صدور أحكام قضائية في هذه الفترة على أفراد ثبت تورطهم في قضايا أمنية، على سبيل المثال، لا يعني أن الدولة تراجعت عن الأمور التي بشرت أو تبشر بها، فهذا أمر مختلف ولا علاقة له بالتهدئة، فالقضاء مستقل ومن غير المعقول أن يتوقف عن إصدار الأحكام ضد المتورطين في القضايا الأمنية كي تأخذ الخطوات السياسية طريقها، فهذا أمر وذاك أمر مختلف. صدور الأحكام القضائية تأكيد على دولة القانون التي ينادي بها الجميع، لكن لا يمكن اعتبارها سبباً لإفشال كل خطوة إيجابية تعين على الخروج من الأزمة. وهكذا الأمر مع كل قرار يصدر من الدولة حيث صدوره في توقيت معين لا يعني بالضرورة أن الدولة تريد من ورائه شيئاً أو أنها تهدف إلى ضرب المعارضة أو التضييق عليها.
استدعاء مسؤول بهذه الجمعية السياسية أو تلك إلى النيابة العامة لا يعني أن الدولة تريد الضغط على الجمعية أو ترمي إلى مكسب معين، وسعي وزارة العدل إلى تطبيق القانون برفع شكوى ضد جمعيات وجدت أنها خالفت اللوائح والأنظمة الخاصة بالجمعيات السياسية لا يعني أن الدولة ترمي إلى أمر ما تريد أن تستفيد منه وتربك الجمعيات السياسية.
وفي المقابل تنازل الدولة عن أمر ما أو التوجيه لتسهيل أمر ما أو تصحيح خطأ ما والاعتذار عنه لا يعني أن الدولة تريد من وراء كل هذا شيئاً تكسبه لصالحها. لذا فإن على كل الأطراف ذات العلاقة أن تبتعد قليلاً عن التأويلات التي يمكن أن تتسبب في إرباكها وإرباك المشهد، فلا تتمكن من الاستفادة من الفرصة واقتناص اللحظة.
فلكياً اليوم هو أول أيام عيد الفطر المبارك والجميع في إجازة، نتمنى أن تشمل أولئك الذين تعودوا قتل الفرح ويؤلمهم الهدوء