الأيام عيد، وتبادل التهاني يختلف بين الناس، تتنوع الأساليب ولكن الهدف واحد، التبريك والتهنئة بالمناسبة العزيزة.
لكن هناك ظاهرة يجب الوقوف عندها، لأنها تتداخل بين العلاقات الإنسانية بين البشر كبشر، وبين العلاقات المهنية في مواقع العمل.
الآن سيعود الناس لأعمالهم يوم الخميس، بعضهم وليس كلهم بالطبع، فيوم دوام واقع بين يومي إجازة يعني «إجازات سنوية أو مرضية أو أعذار غريبة عجيبة».
لكن الظاهرة التي تزايدت في السنوات الأخيرة تستوجب الوقوف عندها، ولا أدري مدى صحتها بإرجاعها للوائح الإدارية والتنظيمية المعتمدة من قبل ديوان الخدمة، وأقصد هنا «الاختراع» الذي خرج به بعض المسؤولين والوزراء بتخصيص ساعتين أو ثلاث في أول يوم دوام ليكون مجلساً لسلام جميع الموظفين على الوزير أو المسؤول الأول في القطاع وتهنئته بالمناسبة.
نعم هي عادة طيبة، لكن حتى العادات الطيبة إن تمت في وقت العمل وجاءت على حساب العمل وإن لم يكن لها توصيف وظيفي ضمن المهام الإدارية والمهنية في القطاع المعني، هل تعتبر أمراً عادياً، أم تجاوزاً إدارياً؟!
قد يعتبرنا البعض نضخم الموضوع ونعطيه أكبر من حجمه، وأن هذه المسألة عادية جداً، إذ ما الضير أن تخصص ساعتان أو ثلاث للسلام على الوزير وتهنئته بالعيد؟!
بيد أن الموضوع نراه من منظور مهني احترافي، ومن مبعث أساسيات الإدارة الصحيحة، فوقت العمل يفترض أن يكون مخصصاً للعمل، يفترض أن تكون هناك مهام تنفذ والتزام كل موظف ابتداء من الوزير الذي هو موظف إلى أصغر شخص بالمهام الوظيفية وعدم تضييع الوقت على أمور ليس لها علاقة بالعمل.
بالتالي هذه المجالس ليست من متطلبات عمل الوزير أو المسؤول، وليس الموظف ملزماً بحضورها أو المشاركة فيها، وهي أصلاً إهدار لوقت العمل، ولا نعلم إن كان لديوان الرقابة المالية والإدارية رأي في المسألة؟!
نقول ذلك من منطق أننا كدولة نسعى للارتقاء بمنظومات العمل ونحاول أن نصل للكمال الإداري والمثالية في العمل، ينبغي أن نحرص على وقف هذه الظواهر الخاطئة. فالوقت المهدور على أمور كهذه هي تأتي على حساب وقت العمل وإنجاز المهمات الموجهة أصلاً للوطن والمواطن، باعتبار أن كل قطاع في الدولة مهمته الخدمة العامة والعمل على تحسين المخرجات للارتقاء بالعمل.
الغريب في هذه الظاهرة، وهي حالات معينة مسجلة من قبل انطباعات بعض الموظفين، وتتمثل حينما «يزعل» الوزير أو المسؤول من عدم التزام جميع الموظفين بالحضور والتهنئة، واعتبار ذلك قلة ذوق وانعداماً للاحترام.
ترى في بعض القطاعات التي تنهج هذا الأسلوب تراكضاً في يوم التهنئة، كل يركض باتجاه القاعة التي يقام فيها حفل تهنئة المسؤول بالعيد «في وقت الدوام»، وكل يحث الآخر «بسرعة بسرعة لا أيي الوزير وما يشوفنا»، وطبعاً هناك البطانة «المخلصة» التي تمهد الأرضية وتنشر الأخبار والدعوات وتحث الموظفين «يا ويلك إذا ما حضرت مجلس الوزير»!
يا جماعة، أهذا معقول؟! هل في الدول الغربية يضيعون وقت العمل في القطاعات بهذه المسائل؟! حتى الفعاليات التي تقيمها هناك بعض القطاعات وتجمع الموظفين في فعاليات اجتماعية أو ورش عمل يطلق عليها اسم «بناء الفريق» وتقام وفق تخطيط واستراتيجية وتستهدف مخرجات ترتقي بالعمل وتعزز روح الفريق الواحد. لكن لدينا وللأسف تحصل الأمور بالمقلوب، وهذا ما يؤكد بأن هناك بعض المسؤولين يتعاملون مع قطاعات الدولة وكأنها ملك خاص تابع لهم.
هل فيما نقوله خطأ؟! هل سيقول البعض يا أخي لا تبالغ هذه عادة طيبة وما فيها شيء؟!
ونقول: إلا فيها شيء وشويات، وقت العمل ملك عام، والقطاعات الحكومية ملك عام، وعجلة العمل هدفها الوطن والمواطن، ومثل هذه الأمور «عادات شخصية» لا علاقة لها بالمهنية لا من قريب ولا بعيد.
يا سعادة الوزير أو المسؤول الذي تقوم بمثل هذه الممارسة وتضيع وقت العمل والموظفين في مجلس تهنئة بالعيد، يمكنك إن أردت الناس أن «تهنيك» أن تفتح مجلساً خارج وقت الدوام، أو أقلها تفعل بريدك الإلكتروني ليرسل موظفوك لك التهاني عليه. نكرر، افتح لك مجلساً في بيتك يا وزير لا في وزارة أنت مؤتمن عليها.