ها نحن نرى أوضاع دول «الربيع» العربي منذ كرة السبحة الأولى «العراق» وانزلاق بقية أحجار المسبحة بعدها؛ الدمار والدماء والخراب وانعدام الأمن. ها نحن نرى ملامح الشرق الأوسط الجديد كما رسمته كونداليزا رايس في تلك الدول، وكيف نجحت مبادرات الولايات المتحدة الأمريكية بإسقاط الأنظمة ودخول الجماعات الدينية على الظهر الأمريكي، سواء صعدوا على الدبابة كما في العراق، أو عبر الميدان والدوارات كما في مصر والبحرين، لا فرق، ونرى الخراب الذي جرته عليهم.
الذين تدربوا على يد «الميبي» أو الذين سبقوهم منذ المؤتمرات الأولى التي جمعت الأمريكان والبريطانيين بـ«الخونة العرب» في مؤتمرات بروكسل ولندن منذ 2002 قبل سقوط صدام و2006 قبل صعود الإخوان في مصر، كانوا أدوات المشروع، هم من قبل خيانة الأمة العربية وقبل أن يضع يده في يد من يعمل على مصلحته وأمنه القومي، مقابل وعود بتسليمه الحكم، لا مقابل أن يحقق آمال وتطلعات الشعوب.
المشروع مازال قائماً والأدوات مازالت متحفزة، وها هم يجوبون عواصم العالم من أجل تحقيقه، تغيرات تكتيكية وليست استراتيجية التي جرت، فسقوط لبنان على سبيل المثال كان في تجميده وتعطيل حياته السياسية وإضعاف الجيش الوطني وتسليط سلاح حزب الله على رقاب اللبنانيين، وسقوط مصر كان سيتحقق في صعود الحلفاء وضمور الجيش، وسقوط العراق في حل الجيش وهكذا، وكان مرسوماً للبحرين سقوطها عبر تقييد النظام وتهديده وفرض الشكل الدستوري الملائم الذي كان سيقود إلى احتراب بحريني للطوائف يضاف إلى الاحتراب العراقي واللبناني.
المشروع مازال قائماً، والنقاط الخمس التي تريد الوفاق أن تفرضها على شعب البحرين عبر التوافق مع الجمعيات السياسية «الائتلاف» ستحقق أهدافها، فالترجمة الحقيقية لشعار «الحكومة المنتخبة» هي «الحكومة المعطلة» لا الحكومة المنتخبة، كما هو السيناريو اللبناني الآن، حيث لا رئيس وزراء ولا رئيس جمهورية وتبقى الدولة مجمدة لأشهر أو لسنوات، ولا يهم حزب الله أو المالكي أن يهلك العراق أو لبنان، المهم وصولهم هم للسلطة، فالدولة التي لا تستطيع أن تحتلها بالقوة احتلها بالتعطيل!
ومن سيوافق من جمعيات الائتلاف أو من رموز النظام على هذا المقترح، أي مقترح التصويت على «أسماء» الوزراء، فإنه سيعد شريكاً مع الوفاق في جريمة تعليق مصير البلد ووقف التنمية وضمورها.
إذ رغم أننا لدينا ألف اعتراض على العديد من التعيينات الوزارية ومعايير اختيارهم، لكن في النهاية لدينا خيارات الرقابة اللاحقة وأدواتها، وشر هذا الخيار أرحم ألف مرة من خيار لن يقودنا إلا إلى السيناريو العراقي أو اللبناني، بالتعطيل والجمود أو بتقاسم كعكة الحكومة بين الجمعيات الدينية أي المحاصصة، فلن نخترع العجلة.
وأنبه أفراد ومؤسسات المجتمع البحريني من الآن إذا وافق الائتلاف على هذا المتقرح فإنه سيكون شريكاً في هذه القسمة ومتفقاً معها وعينه ستكون قصيرة النظر على نصيبه من الكعكة فحسب، ويأتي هنا دور الرقابة الشعبية التي يجب أن تفتح عيونها جيداً وتسائل الجمعيات.
أما في حال التعيينات فإن كنا فقدنا الرقابة المسبقة عليها، إلا أننا نملك الرقابة اللاحقة وسنضع يدنا في يد أي جهة رقابية، سواء كانت قوى سياسية أو إعلاماً أو جمعيات سياسية أو أي جهة تمارس الرقابة اللاحقة على أداء الوزراء، سواء كانت بالأدوات النيابية أو كانت عبر وسائل الضغط والإعلام، ولن يحول بين مطالبنا بإقالة الوزير أو إعفائه إن كان هذا الوزير من الأسرة أو كان سنياً أو كائناً من كان.
أما الرقابة السابقة التي تدعي الوفاق أنها تهدف إليها بالتصويت على تسمية الوزراء، فهذا السيناريو سيقودنا إلى اقتسام الكعكة الحكومية بين الجمعيات السياسية الدينية ولن يقود إلى تحسين في معايير التعيين، ولن يقود حتى إلى رقابة لاحقة، فكل كتلة نيابية ستصطف مع الوزير الذي ينتمي لها وستمنع استجوابه ولن تتحقق الإرادة الشعبية لا في تعيينات الوزراء ولا في محاسبتهم «مرة أخرى انظروا للعراق وإلى لبنان» فلن نخترع العجلة.
ما لم يتحقق بالدوار أو بالمؤامرة أو بتدريبات «الميبي» لا تمنحوه لهم على طبق من ذهب عبر ادعاء «التوافق».
لسنا ضد التطور الديمقراطي وتفعيل الإرادة الشعبية وبقية «المصاحف» التي ترفعها الوفاق، لكننا نرى جيداً السيناريوهات المستقبلية التي تخطها ونرى ترجمتها على واقعنا، نرى كيف رسموها للبنان وللعراق، فالاثنان على شفير حرب أهلية.