قبل فترة قرأت مقالة جميلة ورائعة عن أحد الأشخاص الذين تحدوا ما هم عليه، وحولوا الإعاقة إلى فعل شكل فارقاً في حياته وفي حياة من حوله، واستطاع أن يبني ويرتقي بنفسه إلى أعلى المستويات.
هذا المعاق هو الفلسطيني علاء المدهون، الذي كان يبلغ من العمر 45 عاماً، معاق حركياً ومصاب بشلل نصفي في الجزء السفلي من جسمه، استطاع بإرادته القوية الانتصار على إعاقته وأثبت أن المعاق ليس ذلك الشخص الذي يعاني من مشكلة في جسمه، وإنما المعاق هو من يستطيع أن ينتج ولا يريد ذلك.
يروي علاء المدهون اللحظات الصعبة التي أدت إلى تغيير حياته بشكل جذري فيقول «في أحد الأيام في عام 1986 كنت عائداً إلى منزلي بعد صلاة العشاء في المسجد، وفجأة صدمتني سيارة من نوع سوبارو، وكان حادثاً عادياً، وفور إصابتي تم نقلي إلى أحد المستشفيات في قطاع غزة ولكن نظراً لصعوبة حالتي وإصابتي الخطيرة في العمود الفقري تم نقلي إلى مستشفى داخل الخط الأخضر لتلقي العلاج، وهناك علمت أنه قد أصابني الشلل وأدركت أنه لا يوجد أمل بالشفاء ومكثت في ذلك المستشفى لمدة عام كامل تأقلمت على الوضع الجديد».
يخرج من منزله الكائن في بيت لاهيا ويتجه إلى سيارته مستخدماً كرسيه المتحرك ويفتح باب السيارة وينتقل من الكرسي المتحرك إلى مقعد السائق ليبدأ مرحلة جديدة، فيقوم بضم وتوضيب كرسيه المتحرك ويضعه في المقعد الخلفي من سيارته ويغلق الباب وينطلق متوجهاً إلى عمله في جمعية جباليا للتأهيل في معسكر جباليا ويدخل سيارته في الموقف ويعيد ما بدأه في الصباح، يتجه إلى مكتبه ليبدأ عمله المعتاد، وكل هذه الأمور يجريها دون مساعدة أحد.
يؤكد المدهون أنه لولا دعم ومساعدة الأهل له وحرصهم على توفير كافة الأجواء المناسبة، لكان وضعه وحاله مختلفاً عما هو عليه الآن ويستذكر وقفات أهله وذويه إلى جانبه ومحاولتهم للتخفيف عنه وتهيئتهم الأجواء لتتناسب معه وتوفير كل ما يحتاجه وكذلك دعمهم له ودفعه لدخول الجامعة وإنهاء دراسته.
يضيف «لم استسلم لإعاقتي فكافحت وأصررت على متابعة دراستي، حيث كنت قد أنهيت دراسة الثانوية العامة قبل الحادث، قمت بدراسة الخدمة الاجتماعية وحصلت على شهادة البكالوريوس من إحدى الجامعات بغزة وانتقلت للعمل في جمعية جباليا للتأهيل، تدرجت في المناصب واكتسبت خبرة عالية وأثبت كفاءتي في الجمعية وأنا الآن المسؤول عن تقديم السمعيات والأجهزة المساعدة».
إن علاء واحد من الذين أمنوا إيماناً حقيقياً بأن أي نوع من أنواع الإعاقة الجسدية لا يمكن أن يهزم الروح التي يمتلكها الإنسان، فالطاقة الهائلة التي خلقنا الله سبحانه وتعالى بها، ومنحنا إياها، متوفرة لكل إنسان، ولكن على هذا الإنسان أن يكتشفها ويحولها إلى فعل، يخدم المصاب بالإعاقة أولاً، ويخدم من حوله، كما فعل هذا الإنسان الرائع علاء المدهون.
إن تجربة الفلسطيني علاء المدهون من التجارب الإنسانية المهمة التي علينا أن نعلمها أطفالنا، لكي يتعرفوا على شيء من الطاقات الهائلة التي يملكون.