هذا ما يستنتجه كل من يقرأ تغريدته المنشورة يوم الجمعة الماضية في حسابه على التويتر، والتي يقول فيها «لأسباب إنسانية وتعايشية ولاعتبارات الربح والخسارة؛ نحن ضد اللجوء للعنف حتى لو كان استخدامه من حقوقكم.. وقد ثبت أن ضرره يفوق إيجابياته»، وهو ما يعني أنهم بعد ما جربوا ممارسة العنف في الفترة الماضية ثبت «أي تبين لهم بالدليل القاطع» أن ضرره أكبر من نفعه، وأن سلبياته أكثر من إيجابياته وأنه صار يعود عليهم «بالرادي»، وأنه صار لزاماً التوقف عن ممارسة العنف والدخول بدلاً عن ذلك في مرحلة جديدة تكون خالية من الممارسات العنيفة وتلك التي يمكن أن تفسر على أنها عنف.
توجه جميل يشكر عليه بن رجب؛ لكن الأكيد أن أولئك الذين مارسوا أعمال العنف طويلاً وتعودوها و«استطعموها» و«ذاقوا حلاوتها» واعتبروها سلاحاً فتاكاً يوفر لهم الثقة في النفس ويتسبب في إضعاف الدولة، لن يستجيبوا لهذه الدعوة حتى وإن تم التثنية عليها من قبل «رموز المعارضة وقادتها في الداخل والخارج وفوق الأرض وتحتها»، الأمر الذي من شأنه أن يضع نبيل رجب في مأزق لا يحسد عليه، ولكن يعينه على التأكد من صحة القول إنه ليس لأحد عند أولئك الذين يمارسون العنف مكانة واحترام إلا إن قال بما قالوا وبرر لهم أفعالهم وباركها ودعا إلى مؤازرتهم وصفق لهم واعتبرهم أبطالاً.
الأكيد أن الذين يقومون بأعمال العنف لم يعودوا بيد نبيل رجب ولا بيد الشيخ عيسى قاسم ولا الشيخ علي سلمان، ولا بيد كل من يعتقد أنه رمز وله دالة عليهم، فهذه الفئة استمرأت عملها حتى باتت ترفض وصفه بالعنف ووصفهم بغير السلميين، وهو ما يعني أن الزمام فلت من يد «القادة» وأنهم سيواجهون صعوبات كثيرة في إقناع تلك الفئة بأن ما يقومون به من أعمال لا فائدة منها وليس لها قيمة ولا يؤيدها الشرع، وأنها تصنف في باب الإجرام والاعتداء على الناس وحرياتهم والاعتداء على المجتمع ومؤسساته.
«اقتناع» نبيل رجب -ولو متأخراً- بأن ما يقوم به أولئك يدخل في باب العنف، وهو ما حرص على تكراره في مختلف المقابلات التي أجريت معه أخيراً، أمر طيب، لكنه يحتاج إلى ترجمة عملية. بمعنى أنه ينبغي عليه ومن يؤيده في هذا التوجه من «القادة» أن يتخذوا من أولئك الذين يرفضون الاستجابة والقبول بهذا الرأي موقفاً واضحاً، وأن يفعلوا شيئاً يؤدي بالضرورة إلى أن يستجيب أولئك إليهم، كأن يضربوا عن الطعام حتى يتوقف أولئك عن تلك الممارسات التي تقف حجر عثرة في طريق أي تسوية.
ترى ألا يستطيع نبيل رجب ومعه عدد ممن يعتقد أنه له دالة على أولئك الذين يمارسون العنف ويرفضون الخروج من بوتقته أن يضربوا عن الطعام لعدة أيام ليجبروهم على التوقف عن تلك الممارسات؟ ألا يستطيعون أن يتخذوا قراراً واضحاً بالتوقف عن حضور أي اجتماعات وأي لقاءات وأي فعاليات ما لم يتيقنوا بأن أولئك قد توقفوا عن ممارساتهم العنيفة؟ ألا يستطيعون أن يقرروا التوقف عن الإدلاء بأي تصريح إلى أن يتحقق لهم ما يريدون؟ ألا يستطيعون أن يفرضوا رأيهم على مجموعة من الصغار الذين لا يدركون ما يدركونه هم؟
دعوة نبيل رجب للتوقف عن ممارسة العنف سيتم رفضها من قبل أولئك الذين لا يزالون يعتقدون أنهم بأسلوبهم هذا يستطيعون أن يجبروا الدولة على تقديم التنازلات لهم، وسيتم رفضها حتى وإن عززها من لايزالون يعتبرونه رمزاً وقائداً، فإن كان رجب جاداً في دعوته ومصراً عليها فليمارس ما يستوجب من ضغوط عملية تنقذه على الأقل من حالة الحرج التي سيصير فيها.