في الوقت الذي تتلهف فيه الشعوب الخليجية لإعلان الاتحاد الخليجي، نسمع ذبذبات ونمنمات عن تقارب خليجي - إيراني، وهو أمر قاسي بالنسبة لهذه الشعوب التي طالما ذاقت الويل وعاشت الرعب من هذا الإيراني الذي لم يتوقف تهديده يوماً لهذه الدول، وعن ذاك العدو الذي نصب فخ الهلاك والفناء على ضفاف خليجه، لغة الود وتبادل التحيات العطرة هي غريبة، لن نقول على ديننا؛ بل حتى عن عرفنا العربي، والذي يرفض أن تكون له علاقة وطيدة ومصالح متبادلة على حساب أمته التي تذبح في سوريا والعراق، وليت الأمر وقف عند حد سوريا والعراق؛ بل إن دول الخليج كل يوم تزف لها التهديدات وترسل لها الإنذارات من حكام طهران، وسنتعرض هنا لكم القليل منها على سبيل التذكير.. «إيران تهدد بإعادة الإمارات ضمناً 100 عام إلى الوراء».. «مسؤول إيراني: قادرون على احتلال السعودية بكل يسر لو أرادت ذلك».
أما بالنسبة للكويت؛ فقد ذكرت صحيفة جمهوري إسلامي «لقد ذاقت الكويت سابقاً طعم «صواريخ» دودة القز الإيرانية، كما إنها جربت ضرباتنا الماحقة في أوج الحرب المفروضة علينا، واليوم بالإمكان تكرار تلك التجارب، لكننا نوصيها «الكويت» بعدم اختبار غضبنا، لأنها لن تكون بمأمن من عواقبه السيئة».
أما تهديد عضو مجلس الشورى الإيراني حشمت بيشه الذي قال «إن الكويت ستكون الضحية الأولى لأي توتر في المنطقة»، كذلك تحذير النائب حسن كامرن الذي دعا الكويت إلى «ألا تمد رجلها أكثر من بساطها»، وهذا قليل من كثير من التهديدات الإيرانية لدول الخليج.
أما البحرين؛ فقد نالت النصيب الأكبر، ليس من التهديدات فحسب؛ بل تنفيذها عملياً، وما جرى ويجري في البحرين ما هو إلا بداية لتنفيذ باقي التهديدات لدول الخليج، لأنه متى ما سقطت البحرين سقطت دول الخليج الواحدة تلو الأخرى، وذلك بعد أن تكون هناك جيوش إيرانية في البحرين وأساطيل أمريكية تحرسها من كل صوب وجانب، فلن يكون بعدها مكان ومتسع لدول الخليج أن تنفذ مشاريعها الاقتصادية وعلاقاتها الثنائية مع إيران بعد سقوط البحرين، لأن إيران حينها لن تحتاج إلى عقود ولا اتفاقات بعد أن تتدهور هذه الدول تلقائياً، وتهب خلاياها النائمة التي بدأت ترفع عنها لحافها لتقود ثورات على غرار ثورة البحرين الصفوية.
ومن كان يعتقد أن نسبة الموالين لإيران في الدول الخليجية أقل من من نسبة الموالين لها في البحرين فإن حساباته خاطئة، وذلك بعد أن تكون إيران على مقربة منهم وفي دولة خليجية وتحيط الخليج بطراريدها وطرابيدها وتصلهم نيران الحرس الثوري من جميع ضفاف الخليج، ساعتها لن تقدر هذه الدول مهما ملكت من جيوش وعتاد أن تسيطر على منافذها وسواحلها، وذلك عندما يشاغلها حزب الله العراقي من الجانب الكويتي والسعودي، والحوثيون من الجنوب وغيرهم من الأحزاب والخلايا النائمة التي تمتلك من النفوذ السياسي والاقتصادي وتسيطر على أكثر المؤسسات الحيوية في هذه الدولة، خصوصاً الشركات النفطية وشركات الطيران، إضافة لتغلغلهم في بعض جيوش الدول الخليجية، الأمر الذي سيكون أسهل من السهل، وأن المسألة لن تأخذ بالنسبة لهم أكثر من أيام.
ولابد هنا أن نسأل ونلح؛ لماذا يا دول الخليج تراجعتم عن الاتحاد؟ لماذا هذا التأخير والتمطيط؟ ما الأسباب التي تكمن في عدم اكتمال الاتحاد الخليجي حتى ولو بين دولتين أو ثلاث؟ لأن الظروف ليست في صالحكم، ولن ينتظر عدوكم الأبدي أن تعلنوا اتحادكم أو تأخذوا حذركم أو تستعدوا بجيوشكم، لأنه سيهاجمكم بغتة في لحظة لن تتوقعوها ولن تحسبوا حسابها ولا ساعتها، فإظهار المودة والليونة من جانب طهران لكم ما هو إلا لمشاغلتكم عن التأهيل وإكمال التدريب لميليشياتهم التي تسكن دولكم، فالحرب الإيرانية عليكم ستبدأ من داخلكم، وأنتم تعلمون أن لديهم جميع المعلومات، حتى عن النملة التي تدب تحت ترابكم، كما إن لديهم جميع المستلزمات، فقد خاطوا «الملابس» وطبعوا «النياشين» وعبؤوا المخازن بالأسلحة، حتى الثقيلة منها، كما إن لديهم الطيارين والمدفعيين والقناصين، أي أن الظروف مهيأة لهم منذ أيام الغوص، لكنهم فقط يحتاجون بعض الوقت لضبط حساباتهم وتوقيت انطلاقهم، لذلك فهم بحاجة إلى كسب ثقتكم مؤقتاً ليكون الانقضاض حاسماً وفاصلاً، خاصة بعد أن خاضوا تجربتهم في البحرين، وعرفوا عوامل الضعف وسبب الفشل في مؤامرتهم، لذلك سيكون القادم جولة قاصمة قد تنفذ فيها إيران تهديداتها.
لذلك نتمنى من دول الخليج أن تستبدل علاقة التقارب والتواد بينها وبين إيران بأن تبني أملها على قول الله تعالى (وَعدَ اللهُ الذِينَ آمنوا منكمْ وَعملوا الصالحاتِ ليستخلفنهمْ في الأَرْضِ كما استخلفَ الذينَ منْ قبلهمْ وَليمكننَّ لهمْ دِينهمُ الذِي ارْتضى لهمْ وَليبدِّلنهمْ منْ بعدِ خوْفهمْ أَمناً يعبدُونني لا يشرِكونَ بي شيئاً)، وبعدها سيكفيكم الله شر كل عدو لكم، وفي الأخير يبقى لكم الخيار؛ فإما أن تتبادلوا مع أعدائكم التحيات والزيارات أملاً وطمعاً في كسب ودهم وكف شرهم، أو أن تؤمنوا بوعد الله الذي وعدكم بتمكينكم، ولقد مكنكم الله وسيمكنكم إن شاء الله بعد أن تكفوا عن التقارب وتعلنوا الاتحاد وتطبقوا ما أمركم الله به.