كيف يستطيع الإذاعيون أن ينجحوا في البقاء على الخريطة الإعلامية باعتمادهم استراتيجيات إعلامية جديدة؟
جاء هذا السؤال متضمناً قدراً كبيراً من التفاؤل حول مستقبل الإذاعة الصوتية في خلاصة لدراسة فيجاي سادهو 2013 من اتحاد إذاعات آسيا والمحيط الهادي ABU، بما يعكس التوجس المتلاحق من الخبراء والممارسين وبعض أفراد الجمهور حول انقراض الإذاعة الصوتية، وهو توجس يرى كثير من الباحثين أنه لا مجال له في سياق التطور التكنولوجي المتسارع، الذي هو المصدر الأول لهذه التخوفات في حقيقة الأمر، فالموجة الرقمية حملت منصات متعددة يخاطب منها الإذاعيون جمهورهم، وتمت إضافة أبعاد جديدة إلى طرق اتصالهم مثال ذلك الراديو الرقمي، والصوت المجسم والصوت المضخم والنصوص والصور المرئية على الراديو، وتوصيل المحتوى الإذاعي عبر الإنترنت، والتايم شفتنج، هذا إلى جانب استخدام الهواتف المحمولة والحواسيب اللوحية وغيرها من الأجهزة الذكية، كان ذلك عنصراً إيجابياً للإذاعة الصوتية خاصة بعد ارتباط البث الإذاعي عبر الأقمار الصناعية، فالراديو لايزال موجوداً في كل مكان، وقد تكون الطرق التي يتم بها تلقي المادة الصوتية قد اختلفت عن الطرق التقليدية، فهذه هي التكنولوجيا وما تقدمه من منصات جديدة للتفاعل المتبادل بين الإذاعيين وجمهورهم حيث لا يمكن اعتبار الطفرات التكنولوجية إلا عنصراً إيجابياً يدعو للتفاؤل على المستوى التكنولوجي بالطبع، ويكفي الإشارة إلى ما برز مؤخراً من دمج المحتوى الإذاعي بلا مقابل مع الهاتف الجوال عن طريق تزويده بشرائح وليس على شكل الراديو العادي أو طرق التقاطها.
وتشير أنماط ومؤشرات المتابعة والاستماع لبرامج الإذاعة عن طريق الراديو التقليدي والرقمي إلى تزايد هذه المتابعة على عكس ما يراه البعض حول انخفاض هذه المؤشرات.
وقد أجريت دراسة مسحية حول أنماط وحجم الاستماع للراديو على عينة تكونت من 133 طالباً وطالبة بجامعة البحرين، وجاءت نتائج هذه الدراسة على نحو يبين التغيرات المتلاحقة في طرق الاستماع وكذلك تأكيد استمرار الجمهور العربي في متابعة الإذاعة عبر المنافذ التقليدية رغم الثورة التكنولوجية والتطور في طرق البث الإذاعي.
وقد تكاملت هذه الدراسة في نتائجها التفصيلية في وصف عادات استماع جمهور الراديو مع دراسات أخرى أكدت استمرار الراديو كوسيط إعلامي يشارك في نقل المعلومة وتشكيل الرأي العام، فيشير سعود صالح كاتب «2012» إلى أن أكثر الوسائل استخداماً للاستماع للموسيقى تتمثل في أجهزة الآيباد iPad بنسبة 41% ويليها الراديو التقليدي بنسبة 31% تليها الملفات المخزنة في الهاتف المحمول بنسبة 29%، كما لوحظ أن النساء يأتين في المقدمة في استخدام أجهزة الـiPad والـMP3-MP4 بنسبة 57.4% مقارنة بالذكور بنسبة 36.4%، بينما كانت نسبة المتابعة للذكور عدا الراديو التقليدي 34.9% مقارنة بـ13.6% للإناث، كما أشارت الدراسات إلى أن المستمعين أصبح لديهم خيارات وبدائل أكثر للاستماع للموسيقى أو ملفات صوتية عما كان لديهم من قبل عشر سنوات، قد تكون الأرقام مؤشراً على ابتعاد شرائح كثيرة عن الاستماع للراديو التقليدي، ولكنها تتحول إلى الطرق الجديدة للبث الإذاعي، ورغم ذلك فإن الراديو التقليدي لايزال له جمهوره حيث توجد نسب لاتزال مرتفعة عند الاستماع في المنزل أو السيارة أو العمل وهو ما يتفق مع ما توصلت إليه دراسة الباحث الحالي، كما أظهرت الإعلانات نمو قطاع الإعلان التجاري في الراديو إذا ما قورن بالصحف والتلفزيون حيث بلغت 13% و11% و5.7% على التوالي ينما تقدم الإنترنت على كل من الراديو والصحف والتلفزيون بنسبة 60%، وتشير مؤشرات نادي دبي للصحافة ضمن تحليل للإعلام التقليدي والرقمي في العالم العربي إلى تآكل ملحوظ في قاعدة المستمعين من صغار السن حيث أصبحوا يميلون لاستخدام التكنولوجيا الجديدة كالهواتف الذكية والـiPad وغيرها، كما إن 64% من المستمعين لايزالون يستمعون للراديو في المنزل مقابل 26% في السيارة وأن النساء أكثر استماعاً للإذاعة في المنزل بنسبة 84% مقابل 58% للذكور.
ولا تقتصر هذه التحولات على المنطقة العربية، فتشير دراسات سونال غاندي 2009 إلى نتائج مغايرة في مجتمعات غير عربية، حيث يشير إلى تفضيل الجيل الجديد لاستخدام الراديو الجديد والوسائط الحديثة على حساب الراديو التقليدي، كما أشارت دراسات أخرى إلى أن المحطات الإذاعية لا تتنافس مع بعضها بعضاً فقط، ولكنها تتنافس أيضاً مع بوابات الترفيه ووسائطه الأخرى كاليوتيوب، وفيس بوك وتويتر «هيلين شاو 2006» وهو ما يفرض تقديم تجارب ومحتويات لا تقل إثارة وفائدة وترفيهاً عما يقدم في المواقع البديلة سواء كانت تنتمي للإذاعة الصوتية أو سواها.
إزاء ما سبق، يبدو وكأن الصراع يدور على الضفة الأخرى ألا وهي ضفة «المضمون الإذاعي» الذي يبوح به الوسيط الصوتي -الراديو الجديد- أياً كانت ملامحه، فهو مفتاح الدخول إلى المستقبل الحقيقي للإذاعة الجديدة، وذلك من حيث القالب الفني والمضمون ومدى استيعابه وتلبيته لحاجات وآمال المستمعين، ونتساءل: هل ستكون شراكة مبتكرة بين الجمهور والإذاعة في هذا المضمون؟ وهل ستولد تفاعلية اتصالية جديدة في بعدها النفسي والاجتماعي، وعلى أي مستوى؟ وكيف يكون المضمون الإذاعي العربي مواكباً للعصر المتغير ومعبراً عن آمال وآلام وطموحات المجتمع في ظل التحول الجاري؟ وهل هذا المضمون سيمثل رافداً «حداثياً» للتنمية الشاملة؟ خاصة في الدول العربية التي لايزال فيها الراديو يتمتع بثقة وجماهيرية كشأن الدول النامية الأخرى؟ وهل يمكن للراديو الجديد أن يكون معبراً عن التغيرات الديمقراطية والاحتياجات الاجتماعية الجديدة إزاء جمهور مختلف يمتلك قدراً كبيراً من الثقافة التكنولوجية وينطلق بحرية؟ وهل يمكن للتشاركية المتوخاة من أن تحقق «الديمقراطية الإلكترونية» ويصبح الجمهور شريكاً في الرسالة كما في التنمية المستدامة؟
تلك كلها تساؤلات موجهة لطبيعة ما يفترض أن يكون عليه المحتوى الإذاعي في ظل التكنولوجيا المتغيرة، وغيرها تفاصيل كثيرة في أبعاد متباينة، ولكن يمكن إيجازها في جملة من القضايا المشتركة التي تهم مستقبل الإذاعة العربية الصوتية، وكذلك مستقبل المجتمع العربي، وهذه الأبعاد هي الديمقراطية، والتوافق الوطني، والتنمية.
- مستقبل الإذاعة الصوتية في ظل التحولات السياسية الحالية
لاشك أن التغيرات الراديكالية التي طرأت على المجتمعات العربية في الحقبة الأخيرة جعلت من الحرية والديمقراطية مطلباً جماهيرياً يعتمد التعددية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، ولكن مستقبل هذه التحولات يعتمد بدرجة أساسية على مدى وعي الأحزاب والجمعيات السياسية في ممارسة هذه الديمقراطية ومدى اقتناعها بقواعد اللعبة السياسية واتخاذها ثقافة ووسيلة في إدارة التوافق والاختلاف وتباين المواقف، كما يعتمد نجاح التحول الديمقراطي على التنمية الشاملة، والقضاء على الجهل والفقر والأمية وكلها أمراض تستشري بشدة في الدول العربية، وتعوق تحقيق هذه الطموحات الجماهيرية المتعجلة، وحين تكون الإذاعة منبراً مشتركاً لجميع القوى السياسية والاجتماعية ستؤكد حضورها الإعلامي في المشهد الاجتماعي، ولكن هذا لا يمكن أن يحدث من دون تنوير ثقافي مخطط بالديمقراطية، وشرح قواعدها بدءاً من ضرورة احترام القانون وانتهاء بالتزام الاستقلالية والقيم المهنية التي تحدد أسس ميثاق الشرف الإعلامي، وقيم المجتمع المحلي وأعرافه، وهنا تأتي الإذاعة الصوتية الجديدة في دورها التنموي الجديد باعتبارها أداة للاتصال ترتبط بعلاقات «تشابكية» مع الأدوات الاتصالية الجديدة الأخرى وخاصة شبكات التواصل الاجتماعي بأنواعها، حيث يتبدى الدور الاجتماعي بقوة فتدخل الإذاعة كوسيط عام إلى الوسيط الخاص في عالم الأفراد الذاتي المتمثل في هذه المجالات الإلكترونية الوليدة، ويعني ذلك توسيعاً لنطاق تداول المعلومات السياسية مما يعطيها بعداً جديداً في عملية الانتقال الديمقراطي، وأن تكون الإذاعة في ثوبها الرقمي الجديدة أداة لتعزيز الفعل الديمقراطي من خلال «ترتيب وضبط الأجندة» للقضايا السياسية، والمشاركة في السجال والتسويق السياسي، ومنح المواطن فرصة تشاركية تفاعلية للمعرفة مع كسر مركزية واحتكار المعلومات بما يؤدي إلى تحقيق التعددية الاتصالية وحرية التعبير، كما تعزز الإذاعة في هذا السياق من مكانة الأفراد العاديين -الجمهور العادي- باعتبارهم مشاركين إيجابيين في المضمون والقرار المعرفي والسياسي وليس مجرد مستهلكين سلبيين، وبقدر ما يكون المحتوى الإذاعي الجديد معبراً عن الحرية المسؤولة التي بقدر ما تضمن الحق في الاتصال وتكون مرآة حقيقية للمجتمع.
.. يتبع
{{ article.visit_count }}
جاء هذا السؤال متضمناً قدراً كبيراً من التفاؤل حول مستقبل الإذاعة الصوتية في خلاصة لدراسة فيجاي سادهو 2013 من اتحاد إذاعات آسيا والمحيط الهادي ABU، بما يعكس التوجس المتلاحق من الخبراء والممارسين وبعض أفراد الجمهور حول انقراض الإذاعة الصوتية، وهو توجس يرى كثير من الباحثين أنه لا مجال له في سياق التطور التكنولوجي المتسارع، الذي هو المصدر الأول لهذه التخوفات في حقيقة الأمر، فالموجة الرقمية حملت منصات متعددة يخاطب منها الإذاعيون جمهورهم، وتمت إضافة أبعاد جديدة إلى طرق اتصالهم مثال ذلك الراديو الرقمي، والصوت المجسم والصوت المضخم والنصوص والصور المرئية على الراديو، وتوصيل المحتوى الإذاعي عبر الإنترنت، والتايم شفتنج، هذا إلى جانب استخدام الهواتف المحمولة والحواسيب اللوحية وغيرها من الأجهزة الذكية، كان ذلك عنصراً إيجابياً للإذاعة الصوتية خاصة بعد ارتباط البث الإذاعي عبر الأقمار الصناعية، فالراديو لايزال موجوداً في كل مكان، وقد تكون الطرق التي يتم بها تلقي المادة الصوتية قد اختلفت عن الطرق التقليدية، فهذه هي التكنولوجيا وما تقدمه من منصات جديدة للتفاعل المتبادل بين الإذاعيين وجمهورهم حيث لا يمكن اعتبار الطفرات التكنولوجية إلا عنصراً إيجابياً يدعو للتفاؤل على المستوى التكنولوجي بالطبع، ويكفي الإشارة إلى ما برز مؤخراً من دمج المحتوى الإذاعي بلا مقابل مع الهاتف الجوال عن طريق تزويده بشرائح وليس على شكل الراديو العادي أو طرق التقاطها.
وتشير أنماط ومؤشرات المتابعة والاستماع لبرامج الإذاعة عن طريق الراديو التقليدي والرقمي إلى تزايد هذه المتابعة على عكس ما يراه البعض حول انخفاض هذه المؤشرات.
وقد أجريت دراسة مسحية حول أنماط وحجم الاستماع للراديو على عينة تكونت من 133 طالباً وطالبة بجامعة البحرين، وجاءت نتائج هذه الدراسة على نحو يبين التغيرات المتلاحقة في طرق الاستماع وكذلك تأكيد استمرار الجمهور العربي في متابعة الإذاعة عبر المنافذ التقليدية رغم الثورة التكنولوجية والتطور في طرق البث الإذاعي.
وقد تكاملت هذه الدراسة في نتائجها التفصيلية في وصف عادات استماع جمهور الراديو مع دراسات أخرى أكدت استمرار الراديو كوسيط إعلامي يشارك في نقل المعلومة وتشكيل الرأي العام، فيشير سعود صالح كاتب «2012» إلى أن أكثر الوسائل استخداماً للاستماع للموسيقى تتمثل في أجهزة الآيباد iPad بنسبة 41% ويليها الراديو التقليدي بنسبة 31% تليها الملفات المخزنة في الهاتف المحمول بنسبة 29%، كما لوحظ أن النساء يأتين في المقدمة في استخدام أجهزة الـiPad والـMP3-MP4 بنسبة 57.4% مقارنة بالذكور بنسبة 36.4%، بينما كانت نسبة المتابعة للذكور عدا الراديو التقليدي 34.9% مقارنة بـ13.6% للإناث، كما أشارت الدراسات إلى أن المستمعين أصبح لديهم خيارات وبدائل أكثر للاستماع للموسيقى أو ملفات صوتية عما كان لديهم من قبل عشر سنوات، قد تكون الأرقام مؤشراً على ابتعاد شرائح كثيرة عن الاستماع للراديو التقليدي، ولكنها تتحول إلى الطرق الجديدة للبث الإذاعي، ورغم ذلك فإن الراديو التقليدي لايزال له جمهوره حيث توجد نسب لاتزال مرتفعة عند الاستماع في المنزل أو السيارة أو العمل وهو ما يتفق مع ما توصلت إليه دراسة الباحث الحالي، كما أظهرت الإعلانات نمو قطاع الإعلان التجاري في الراديو إذا ما قورن بالصحف والتلفزيون حيث بلغت 13% و11% و5.7% على التوالي ينما تقدم الإنترنت على كل من الراديو والصحف والتلفزيون بنسبة 60%، وتشير مؤشرات نادي دبي للصحافة ضمن تحليل للإعلام التقليدي والرقمي في العالم العربي إلى تآكل ملحوظ في قاعدة المستمعين من صغار السن حيث أصبحوا يميلون لاستخدام التكنولوجيا الجديدة كالهواتف الذكية والـiPad وغيرها، كما إن 64% من المستمعين لايزالون يستمعون للراديو في المنزل مقابل 26% في السيارة وأن النساء أكثر استماعاً للإذاعة في المنزل بنسبة 84% مقابل 58% للذكور.
ولا تقتصر هذه التحولات على المنطقة العربية، فتشير دراسات سونال غاندي 2009 إلى نتائج مغايرة في مجتمعات غير عربية، حيث يشير إلى تفضيل الجيل الجديد لاستخدام الراديو الجديد والوسائط الحديثة على حساب الراديو التقليدي، كما أشارت دراسات أخرى إلى أن المحطات الإذاعية لا تتنافس مع بعضها بعضاً فقط، ولكنها تتنافس أيضاً مع بوابات الترفيه ووسائطه الأخرى كاليوتيوب، وفيس بوك وتويتر «هيلين شاو 2006» وهو ما يفرض تقديم تجارب ومحتويات لا تقل إثارة وفائدة وترفيهاً عما يقدم في المواقع البديلة سواء كانت تنتمي للإذاعة الصوتية أو سواها.
إزاء ما سبق، يبدو وكأن الصراع يدور على الضفة الأخرى ألا وهي ضفة «المضمون الإذاعي» الذي يبوح به الوسيط الصوتي -الراديو الجديد- أياً كانت ملامحه، فهو مفتاح الدخول إلى المستقبل الحقيقي للإذاعة الجديدة، وذلك من حيث القالب الفني والمضمون ومدى استيعابه وتلبيته لحاجات وآمال المستمعين، ونتساءل: هل ستكون شراكة مبتكرة بين الجمهور والإذاعة في هذا المضمون؟ وهل ستولد تفاعلية اتصالية جديدة في بعدها النفسي والاجتماعي، وعلى أي مستوى؟ وكيف يكون المضمون الإذاعي العربي مواكباً للعصر المتغير ومعبراً عن آمال وآلام وطموحات المجتمع في ظل التحول الجاري؟ وهل هذا المضمون سيمثل رافداً «حداثياً» للتنمية الشاملة؟ خاصة في الدول العربية التي لايزال فيها الراديو يتمتع بثقة وجماهيرية كشأن الدول النامية الأخرى؟ وهل يمكن للراديو الجديد أن يكون معبراً عن التغيرات الديمقراطية والاحتياجات الاجتماعية الجديدة إزاء جمهور مختلف يمتلك قدراً كبيراً من الثقافة التكنولوجية وينطلق بحرية؟ وهل يمكن للتشاركية المتوخاة من أن تحقق «الديمقراطية الإلكترونية» ويصبح الجمهور شريكاً في الرسالة كما في التنمية المستدامة؟
تلك كلها تساؤلات موجهة لطبيعة ما يفترض أن يكون عليه المحتوى الإذاعي في ظل التكنولوجيا المتغيرة، وغيرها تفاصيل كثيرة في أبعاد متباينة، ولكن يمكن إيجازها في جملة من القضايا المشتركة التي تهم مستقبل الإذاعة العربية الصوتية، وكذلك مستقبل المجتمع العربي، وهذه الأبعاد هي الديمقراطية، والتوافق الوطني، والتنمية.
- مستقبل الإذاعة الصوتية في ظل التحولات السياسية الحالية
لاشك أن التغيرات الراديكالية التي طرأت على المجتمعات العربية في الحقبة الأخيرة جعلت من الحرية والديمقراطية مطلباً جماهيرياً يعتمد التعددية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، ولكن مستقبل هذه التحولات يعتمد بدرجة أساسية على مدى وعي الأحزاب والجمعيات السياسية في ممارسة هذه الديمقراطية ومدى اقتناعها بقواعد اللعبة السياسية واتخاذها ثقافة ووسيلة في إدارة التوافق والاختلاف وتباين المواقف، كما يعتمد نجاح التحول الديمقراطي على التنمية الشاملة، والقضاء على الجهل والفقر والأمية وكلها أمراض تستشري بشدة في الدول العربية، وتعوق تحقيق هذه الطموحات الجماهيرية المتعجلة، وحين تكون الإذاعة منبراً مشتركاً لجميع القوى السياسية والاجتماعية ستؤكد حضورها الإعلامي في المشهد الاجتماعي، ولكن هذا لا يمكن أن يحدث من دون تنوير ثقافي مخطط بالديمقراطية، وشرح قواعدها بدءاً من ضرورة احترام القانون وانتهاء بالتزام الاستقلالية والقيم المهنية التي تحدد أسس ميثاق الشرف الإعلامي، وقيم المجتمع المحلي وأعرافه، وهنا تأتي الإذاعة الصوتية الجديدة في دورها التنموي الجديد باعتبارها أداة للاتصال ترتبط بعلاقات «تشابكية» مع الأدوات الاتصالية الجديدة الأخرى وخاصة شبكات التواصل الاجتماعي بأنواعها، حيث يتبدى الدور الاجتماعي بقوة فتدخل الإذاعة كوسيط عام إلى الوسيط الخاص في عالم الأفراد الذاتي المتمثل في هذه المجالات الإلكترونية الوليدة، ويعني ذلك توسيعاً لنطاق تداول المعلومات السياسية مما يعطيها بعداً جديداً في عملية الانتقال الديمقراطي، وأن تكون الإذاعة في ثوبها الرقمي الجديدة أداة لتعزيز الفعل الديمقراطي من خلال «ترتيب وضبط الأجندة» للقضايا السياسية، والمشاركة في السجال والتسويق السياسي، ومنح المواطن فرصة تشاركية تفاعلية للمعرفة مع كسر مركزية واحتكار المعلومات بما يؤدي إلى تحقيق التعددية الاتصالية وحرية التعبير، كما تعزز الإذاعة في هذا السياق من مكانة الأفراد العاديين -الجمهور العادي- باعتبارهم مشاركين إيجابيين في المضمون والقرار المعرفي والسياسي وليس مجرد مستهلكين سلبيين، وبقدر ما يكون المحتوى الإذاعي الجديد معبراً عن الحرية المسؤولة التي بقدر ما تضمن الحق في الاتصال وتكون مرآة حقيقية للمجتمع.
.. يتبع