كان أبنائي أكثر شوقاً من سائر أفراد الأسرة لقدوم شهر رمضان المبارك وذلك لسببين؛ أولهما أن المدرسة ستقفل أبوابها (وكان هذا التوقيت مصادفة ليس إلا)، وثانيهما أن برنامجهم التلفزيوني الكرتوني الشعبي المفضل سيتم بثه في هذا الشهر الفضيل، لذا قلت في نفسي لا بد أن أزيد أسباباً لفرحهم بقدوم هذا الشهر المبارك، وأنهم ليسوا هم وحدهم السعداء، وإنما الناس جميعاً، وأن بعضاً من فرحتنا مترجماً إلى الزينة والأنوار والإضاءة وفوانيس رمضان التي تكسو الشوارع وتكون سبب سعادة للكبير قبل الصغير، ومحطات أسئلة واستفسارات للعابرين من غير المسلمين ومعرفتهم للسر الذي يكمن وراء فرحتنا بهذا الضيف الغالي والعزيز.
فهممت ليلة أول أيام شهر رمضان المبارك بأخذهم في جولة بالسيارة، وإذ نفاجئ جميعاً أن الشوارع صامتة خالية من الازدحام والحركة المعتادة، وهذا أمر طبيعي لسبب أن الأغلبية في المساجد لإحياء السنّة النبوية الشريفة في هذا الشهر ألا وهي صلاة التراويح.. وأن كانت المساجد معمورة بالعباد الصالحين إلا أن الظلام والسكون المسيطر على الطرقات كان موضوع سؤال واستغراب أبنائي: «ماما أين الزينة التي أخبرت بها؟ وأين شجرة النخيل المزينة؟ وأين الفوانيس التي قلت عنها؟ نحن لم نلحظ شيئاً».
وكان تعليلهم أن فترة عيد الميلاد «الكريسمس» أي شهري نوفمبر وديسمبر كانت أجمل، حيث تصادف أيضاً نفس فترة الابتهاج بأيام العيد الوطني المجيد في المملكة. وكونهم أطفالاً لا تتعدى أعمارهم الخمس سنوات لا يقدرون على التفرقة بين المناسبتين لسبب توحيد تزامنهما. وفي اليوم التالي سمعت خبراً مفرحاً بأن بلدية الرفاع قامت بوضع الزينة والفوانيس وعبارات الترحاب، عدا عن ذلك أن هذا أمر من اختصاص البلديات وليس الأفراد أو حتى النواب، وأمور الزينة في شهر رمضان المبارك أصبحت عادة قديمة والبعض اعتبرها بدعة ويجب الابتعاد عنها، ولم يكن في السابق ما يعرف بالفانوس وما شابه.
عجباً، فالأشياء الجميلة أصبحت بدعة أو ما يمكن أن يحلي ظلامنا أصبح شيئاً من الماضي، وغداً وبلا شك سوف تسمع الأصوات تصدح بأن فرحة الأطفال بالقرقيعان عادة لا بد من التخلي عنها! حقيقة ما عادت الناس أنفسها تفهم ماذا تريد، وأنا لا أستوعب إلى متى سنبقى نقحم ذواتنا بأحاديث وخبريات التافهين!
لذا، ليس من السهل بكل المقاييس أن نقول للزمان ارجع يا زمان وخلينا نرجع زي ما كنا وكان، ولكن مع عصر العولمة الجاف الذي نعيشه فمن الجميل أن نبقى محافظين على القليل من النكهة الصافية لأيام الطيبين ونستخدم عقولنا للتفرقة بين ما يمكن أن يكون بدعة أو مجرد أمر جميل يصدر بنية صادقة من قلوب الفاعلين يمكنه أن يكون سبباً لابتسامة الكبير والصغير من كل الطوائف والديانات.
ولنا فيما قاله الإمام الشافعي عبرة:
نعيب زماننــا والعيـــب فينا
وما لـــــزمانــا عيـب ســــوانا
ونهجــو ذا الزمان بغيـر ذنب
ولو نَطَق الزمـان لنا هجانا