ليس هناك وجه شبه بين أسباب ما حدث في العراق وبين ما يحدث في البحرين؛ وأن محاولة البعض بالربط والدس هي محاولة يائسة لأن حالة التشابة معدومة من ناحية أولاً الإقصاء لفئة، وذلك كما تطرق رئيس تحرير الصحيفة المعروفة بميولها وخطوطها، حين قال «إن ما يحدث في العراق، وما حدث ويحدث في بلدان أخرى في المنطقة، يوضح أن عزل فئات واسعة من الشعب عن الحياة العامة، ومنعهم من الوصول إلى مواقع القرار لا ينفع البلاد أو المجتمع مع اشتداد الأوضاع سوءاً».
وسنتحدث هنا أولاً عن الإقصاء الذي أشار إليه «المتفيقه»، وهو إقصاء لا وجود له البتة في البحرين، لأنها لم تمنع أية فئة من فئات المجتمع من الوصول إلى مواقع القرار، فمواقع القرار قد شغلتها كافة الفئات من سني وشيعي، وها هي التجربة التي مرت بها البحرين أثبتت أن مواقع القرار قد استغلت من قبل البعض، ومنهم الوزير الذي جلس في البيت والوزير الذي ترك وزارته وطار إلى أمريكا ليعالج والده، وغيرهم من مسؤولين كل منهم يعتبر في مواقع القرار، كذلك القضاة وأعضاء في مجلس الشورى والنواب، والذين تركوا مواقع القرار وتضامنوا وساندوا الانقلابيين؛ فمنهم من أضرب عن العمل ومنهم من استقال، ولذلك كانت التجربة كفيلة بكشف كم من المواقع المهمة والحيوية شغلها أولئك الذين أشار إليهم الكاتب في مقاله، ومحاولته اليائسة في تشبيه حالة الإقصاء في العراق بالبحرين، حيث ذكرها بـ»وما حدث ويحدث في بلدان أخرى في المنطقة».
كذلك الأمر في البلدان الأخرى في المنطقة، حيث لم يتم إقصاء أي من فئات المجتمع من مواقع القرار، إلا إن كانت مواقع القرار التي يقصدها هي «رئاسة الوزراء» أو «كرسي الحكم»، فهذا أمر آخر، لأن هذه المواقع لها خصوصية في أنظمة الحكم في دول المنطقة، والذي لا يمكن أن يتغير حسب رغبة فئة أو جهة طمعاً في كراسي الحكم، أو في موقع صناع قرار «أمة» وليس «دولة»، لأن موقع القرار في دول الخليج يغير مجرى أمة، يجرها إلى عمار أو يجرها إلى خراب، وأن يكون موقع القرار لنوعية من البشر ترى أن الموقع فرصة لخدمة دولة أجنبية ومعادية، فهو خطر سيجر الويلات على دول الخليج العربي والوطن العربي بأكمله، وهي الكارثة التي حدثت في العراق، حين كان في موقع القرار ولم يقم بعملية إقصاء فحسب بل إبادة لصالح فئة، ولصالح دولة معادية للأمة.
إذاً فالبحرين، وهي أحد بلدان المنطقة التي كان يقصدها الكاتب، لم تمارس حالة إقصاء لأي فئة من المجتمع، وأما الإقصاء في العراق فهو عزل أغلب شعب العراق، ليس من مواقع القرار فحسب؛ بل من موقع أن يكون لهم موطأ قدم في بلدهم، فهم محرومون من أدنى حقوقهم الآدمية.
ثم إن استخدام مصطلح «إقصاء» لوصف أسباب ما يحدث في العراق، فإن هذا المصطلح لا يمكنه أن يتحمل وصف ما حدث لأهل السنة في العراق الذين أبيد منهم أكثر من مليونين، إذاً الحالة ليس إقصاء بل إبادة ليست جماعية؛ بل مليونية، الإقصاء لا يتشابه مع القتل على الهوية، الإقصاء ليس منه «التهجير» و»التعذيب» و»هتك الأعراض». نعم حالة العراق ليس لها وصف؛ فهي إبادة علنية بدأت منذ 2003، وتتم وفق برنامج محو فئة بكافة الأساليب، حتى أصبحت هذه الفئة ترى في الموت راحة، لذلك ثارت هذه الفئة ضد الظلم الذي لم يتحمله أي نوع من أنواع البشرية من بداية العالم حتى اليوم.
إن ما يحدث في العراق اليوم ليس من أجل استلال حكم أو سعي للسلطة أو بحث عن الثروة، بل هو من أجل كرامة إنسان أصبح يعيش على هامش البشرية بعد أن كان في أعلى قمة البشرية، نعم ما يحدث في العراق اليوم هو من أجل حفظ الأعراض التي هتكت في ظل وجود حكومة استباحت أعراض فئة كبيرة من الشعب، ومن أجل دماء تسفك فقط لأن أسماءها خارجة عن نطاق الهوية الحكومية التي لا تحتمل وجودها ضمن سجلات النفوس العراقية.
وها هي الإحصائيات تؤكد أن ما يحدث في العراق سببه صعود فئة في مواقع القرار، والتي يطالب بها الكاتب اليوم ليكون لها المكان نفسه في دول المنطقة، حيث نتج عن صعودها مليون أرملة وأربعة ملايين طفل يتيم ومليونان ونصف من الشهداء و800000 ألف مغيب و340000 سجين و4500000 مهجر خارج العراق و2500000 مليون مهجر داخل العراق، إضافة إلى وجود أكثر من 43 ميليشيا مسلحة للأحزاب و220 صحيفة ممولة من أجهزة المخابرة الأجنبية، و45 قناة تلفزيونية ممولة من أجهزة المخابرات الأجنبية، 67 محطة راديو ممولة من أجهزة المخابرات الأجنبية، شبكة اتصالات لاسلكية قيمة كل شبكة 12 مليار دولار مملوكة لقادة الأحزاب، هذا جزء من الإبادة والخراب والفساد الذي وصلت إليه العراق، هذه الإحصائيات من الوزارات المختصة في الحكومة ولغاية عام 2008.
وندعو الله أن يحفظ البحرين ودول المنطقة من شر ما حدث في العراق.