بعد ما يسمى بالربيع العربي، اكتشفنا نحن العرب بأننا غير مهيئين على الإطلاق لاعتلاء مكان حضاري بين الشعوب والدول المتطورة. فالثورات العربية المزعومة كشفت لنا اليوم كثيراً من ضعف «المناعة» التي من أهم واجباتها حفظ كيانات الشعوب والأنظمة من الأمراض والهجمات، ومع أول اختبار حقيقي سقط الطالب والمطلوب، وانكشفت كل نقاط الضعف العربي -الشعبي منه والرسمي- فعرفنا حجمنا الطبيعي بين بقية الأمم الأخرى.
إن انهيار المنظومة الأخلاقية والقيمية العربية التي كنا نتمسك بها طيلة قرون من الزمان، تبين بعد أول امتحان لها بأنها كانت صيغ غير منطقية، بل اكتشفنا أننا كنا متشبثين بمجموعة من الأوهام والخرافات الدينية والسياسية والحضارية، وبكثير من العادات والتقاليد والموروثات المجتمعية، تلك «الحاجات» لم تصمد مع أول صدمة أصابتنا، ولهذا انهارت على إثرها كل الأنظمة التي كنا نحسبها أقوى مما هي عليه قبل ما يسمى زوراً بالربيع العربي، ومن جهة أخرى، انغمست شعوب وقبائل عربية في الدماء والصراعات الطائفية والمذهبية، فلم تخرج من هذه المعمعة والجعجعة سوى رايات جاهلية جديدة، ترفع لواء الكراهية والفتن والحروب وتقطيع الأوصال وسفك الدماء، وارتفعت أصوات أخرى تطالب بإلغاء المختلف وقمعه بكل الوسائل الممكنة وغير الممكنة.
نحن نؤمن اليوم أن مسلسل الضياع هذا لن ينتهي إلا بصدمة حضارية توقظنا من هذا الرقاد العميق، وما دون ذلك فإننا سنظل نراوح في مكاننا هذا، نجتر أوهام النصر والتقدم والقبض على الحقيقة، بينما نحن نعيش خارج الزمن.
ترتيبات سياسية وعسكرية واستخباراتية أعدت سلفاً في المطابخ الغربية لتقسيم الوطن العربي، ونحن بسبب غيبوبتنا لم ننتبه لهذا المخطط الشيطاني، لأننا كنا مشغولين بمشاريعنا الصغيرة وببعض مشاريعنا القاتلة، ناهيك عن ضياع أولوياتنا وعدم رسم أهدافنا وانشغالنا بمن جاء قبل الآخر»الدجاجة أم بيضها»!
الآن بدأنا نكتشف أن هنالك تقسيمات جغرافية شرسة للخارطة العربية، وبدأنا نكتشف بفضل الربيع العربي أن واشنطن طيلة الأعوام الفائتة كانت تتجسس على كل دول العالم، لأنها مدركة كل الإدراك أننا نيام، وفي حال استيقظنا -لا سمح الله- فإننا أصغر من أن نواجه أمريكا بمعصيتها التي تمثلت بتجسسها ونميمتها وبهتانها العظيم علينا، فنحن شعوب «مسحوا عليها» دائماً كما يقولون.
تقول بعض المرويات «لا تكرهوا الفتن، فإن فيها هلاك الظالمين» فهل ستكون فتن العصر هذه كفيلة بهلاك الشياطين الاستكبارية الكبيرة أم سيكون فيها هلاكنا؟ لأننا لم نأخذ بأسباب التقدم والتطور الحضاري؟ هل سيكون المشهد الجاري هو الطريق المفضي إلى التحرر من قيود الوهم العربي ومن كافة أشكال الخرافة العربية ومن التبعية العمياء للسياسية الغربية الشيطانية؟ أم سيكون الربيع العربي بكل أوجاعه وآهاته وأثقاله سببا فعليا لانهيار مجتمعاتنا التي مازالت تفتش في الخرافة عن الحقيقة، والتي تصر على أن أفضل طريق للتقدم الأبدي هو النوم السرمدي؟
إن الأيام القادمة ستفضح كل ما هو عربي، وستعري كل من هو غربي، وسيكون النصر حليف من مسك الحضارة بالنواجذ، أما النيام فليس لهم مكان بين الأمم المستيقظة، ولو رقدنا بقية عمرنا، فما الغريب في ذلك، ألسنا الأمة التي أسست أساس النوم في هذا العالم الشرس؟!